[ثناء النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة على معاذ]
إنه معاذ بن جبل الذي لو وقفنا مع تاريخه لتحسرنا على حياتنا، وبكينا دماً بدل الدمع خجلاً وحياءً على ما قدمناه لديننا، وقد مضى بنا قطار العمر إلى مسافات وأعوام ابن الثلاثين من عمره، بل ابن العشرين من عمره.
قصة حياة عجيبة، قصة كفاح رهيبة في هذه السنوات القصار الطوال، معاذ بن جبل رضي الله عنه وأرضاه، ذلكم الرجل الذي قال عنه فاروق الأمة عمر رضي الله عنه، والأثر رواه الحاكم في المستدرك وصححه وأقره الذهبي، بل وصححه الحافظ ابن حجر في الفتح، يقول عمر رضي الله عنه، وبالله عليكم اسمعوا هذه القولة، وخذوا هذه الشهادة من عمر وما أدراكم ما عمر؟! يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: [من أراد الفقه فليأتِ معاذ بن جبل] .
ابن العشرين! ابن الثلاثين! من أراد الفقه فليذهب إليه من أراد الفقه فليأتِ معاذ بن جبل.
وخذوا قولة ابن مسعود الخالدة، وروى بعضها الإمام البخاري تعليقاً [قرأ ابن مسعود رضي الله عنه يوماً: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلَّهِ} [النحل:١٢٠] ثم قال ابن مسعود رضي الله عنه: إن معاذ بن جبل كان أمة قانتاً لله، كان يعلِّم الناس الخير، وكان مطيعاً لله ورسوله] إن معاذاً ابن الثلاثين كان أمة، ابن العشرين كان أمة، كان يعلم الناس الخير، وكان مطيعاً لله ورسوله صلى الله عليه وسلم.
بل وما هذه الشهادات والأوسمة إلى جوار الأوسمة التي علقها الحبيب صلى الله عليه وسلم بيديه الكريمتين المباركتين على صدر ذلكم الشاب.
اسمعوا ماذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم والترمذي من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: (خذوا القرآن من أربعة: من عبد الله بن مسعود -فبدأ به- وأبي بن كعب، ومعاذ بن جبل، وسالم مولى أبي حذيفة) خذوا القرآن من معاذ، من هذا الشاب الصغير الكبير العظيم، خذوا القرآن من معاذ بن جبل.
بل ويذكر النبي صلى الله عليه وسلم معاذاً يوماً مع الصحابيين الجليلين الكبيرين العظيمين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، والحديث رواه الترمذي وحسنه، ورواه ابن حبان وصححه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، يقول صلى الله عليه وسلم: (نعم الرجل أبو بكر، نعم الرجل عمر بن الخطاب، نعم الرجل معاذ بن جبل) .
مع أبي بكر وعمر! (نعم الرجل أبو بكر، نعم الرجل عمر بن الخطاب، نعم الرجل معاذ بن جبل) إنه حقاً رجل.
بل وخذوا هذا الوسام العجيب، وهذه الشهادة الكبيرة من رسول الله صلى الله عليه وسلم، والحديث رواه أحمد والترمذي وابن ماجة وابن سعد في الطبقات، وصحح الحديث شيخنا الألباني في صحيح الجامع من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، يقول صلى الله عليه وسلم: (أرحم أمتي بأمتي أبو بكر، وأشدهم في دين الله عز وجل عمر بن الخطاب، وأصدقهم حياءً عثمان بن عفان، وأقضاهم -أي: وأعلمهم بالقضاء- علي بن أبي طالب، وأفرضهم -أي: وأعلمهم بالفرائض- زيد بن ثابت، وأقرؤهم أبي بن كعب، وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل) .
أعلم الأمة بشهادة رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل، ألا وإن لكل أمة أميناً، وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح) أمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه.
أعلم الأمة بالحلال والحرام ابن العشرين ابن الثلاثين! ولم لا وقد رباه محمد بن عبد الله؟ ولم لا وقد تخرج في مدرسة الإسلام بين الصحب الكرام رضي الله عنهم وأرضاهم؟ بارك الله لهم في أعمارهم وأوقاتهم وأستاذهم ومعلمهم ونبيهم، فكانوا للناس سادة، وللجيوش قادة، وللأفاضل مثلاً عليا، فيظل التاريخ يقف أمام سيرتهم وقفة إعزاز وإجلال وإكبار.