ماذا أقول، وماذا أدع عن هذا التقي النقي العابد الورع؟! فلنطالع نبأ هذا التقي النقي من أوله.
لقد روت لنا كتب التاريخ والسير أن فاروق هذه الأمة عمر بن الخطاب رضي الله عنه قد حرم في خلافته خلط اللبن بالماء، وفي ليلة من الليالي المظلمة الشاتية الممطرة والناس نيام، ولكن أنى للنوم أن يعشى عمر! فخرج عمر بن الخطاب يتفقد أحوال الرعية، وأمام بيت من بيوت الناس سمع عمر بن الخطاب حواراً جميلاً جذاباً بين أم وفتاتها التقية النقية الزاهدة الورعة: الأم تقول لفتاتها: هيا يا بنيتي أسرعي وامزجي اللبن بالماء قبل أن يطلع علينا الصباح! والبنت التقية تجيب أمها وتقول: يا أماه! ألم ينه أمير المؤمنين عمر عن مزج اللبن بالماء؟! فتقول الأم لفتاتها: يا بنيتي! إن الناس يمزجون، وما يدري أمير المؤمنين بنا الآن؟ فترد الفتاة الورعة التقية وتقول لأمها: يا أماه! إن كان أمير المؤمنين لا يرانا، فرب أمير المؤمنين يرانا! واغرورقت عينا عمر بدموع الغبطة والسرور والفرح، وأطلق ساقيه للريح يجري إلى داره، يا عاصم! من عاصم؟ عاصم بن عمر، يا ولدي! اذهب إلى هذا البيت الفلاني وتزوج بهذه الفتاة الورعة التقية، فإني والله أرجو الله أن يخرج منها فارساً يقود العرب والمسلمين! إنها عبقرية فاروق الأمة رضي الله عنه وأرضاه.
ويستجيب الولد لرغبة أبيه، ويتزوج عاصم بن عمر رضي الله عنهما بهذه الفتاة المراقبة لله جل وعلا، وتنجب له هذه الفتاة فتاة أسموها ليلى وكنوها بـ أم عاصم، فتزوجت أم عاصم هذه رجلاً من خيار بني أمية يقال له: عبد العزيز بن مروان، فولدت لـ عبد العزيز هذا الشاب التقي النقي الزاهد العابد الورع عمر بن عبد العزيز، ولدته بالمدينة المنورة سنة ستين للهجرة، وقيل: ولد عمر بن عبد العزيز بمصر بمدينة حلوان سنة إحدى وستين للهجرة.
إنها ذرية كريمة بعضها من بعض، فهذا الشبل من ذاك الأسد!