الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمد عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه، وعلى كل من اهتدى بهديه واستن بسنته، واقتفى أثره إلى يوم الدين.
أما بعد: فيا أيها الأحبة! والله كم كانت سعادة النبي صلى الله عليه وسلم بداعيته العظيم الكريم المبارك، يوم أن رجع مصعب في العام التالي مباشرة، بوفد من المسلمين يتكون عددهم من سبعين مؤمن ومؤمنة، وهو الذي ذهب إليهم من بضعة أشهر، ولم يكن هناك إلا اثنا عشر رجلاً يوحدون الله جل وعلا في المدينة المنورة، عاد بسبعين دفعة واحدة يشهدون أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ويهاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة بعد أن غرس فيها مصعب شجرة الإسلام وتعهدها بالرعاية والعناية، فأينعت وأثمرت.
ماذا أثمرت؟ أثمرت دولة للإسلام تمنعه وتحميه، وحينئذٍ أرادت قريش أن تقضي على الموحدين حتى في المدينة المنورة، وانطلقت الشرارة الأولى للجهاد في سبيل الله بغزوة بدر الكبرى، وينظر النبي صلى الله عليه وسلم مرة أخرى من يرفع لواء الجهاد، ولن يجد النبي صلى الله عليه وسلم إلا من رفع لواء الدعوة قبل ذلك، يرى النبي صلى الله عليه وسلم مصعب بن عمير ليدفع إليه لواء الجهاد مرة أخرى، وإن من عرف وسبر غور ميادين القتال يعلم أن اللواء هو البوصلة التي باتجاهها يتحدد مصير المعركة، فإن كان اللواء خفاقاً عالياً، وصاحب اللواء يزأر من حين إلى حين بتكبيرة ترج عرض الميدان رجاً ارتفعت المعنويات، وإن سقط اللواء ونكس نكست المعنويات على الفور.
وينطلق مصعب بن عمير ليرفع لواء الجهاد بعد أن رفع لواء الدعوة، وينصر الله جنده، ويعز الله هؤلاء الفقراء الحفاة العراة الجياع، ويتبعثر المشركون والسادة في أرض الصحراء كتبعثر الفئران.