وظن عثمان أن الناس قد انطفأت نار الفتنة في قلوبهم، ولكنه نسي أن هؤلاء ما خرجوا لله، وما خرجوا للدار الآخرة، وما خرجوا ابتغاء مرضاة الله، وإنما خرجوا لنار تتأجج في قلوبهم، وتشتعل في صدورهم، وعاد القوم وقد اتفقوا على أن يعودوا مرة أخرى لحصار المدينة، ولو أرادوا الخير لعادوا إلى أوطانهم، ولو أرادوا الحق لانشرحت صدورهم بعد هذه الحجج، ولكنهم عادوا وما جاءوا إلا بما عادوا به، وما عادوا إلا بما جاءوا به.
واتفقوا على أن يعودوا إلى المدينة مرة أخرى، واصطبح أهل المدينة ذات صباح بهؤلاء الثوار الموتورين المسلحين وهم يحاصرون المدينة من كل جانب، وينتشرون في شوارعها، ولم يراعوا حرمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا حرمة خليفة رسول الله، ولا حرمة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، بل وحاصروا بيت الخليفة، ومنعوا عنه زواره، ومنعوا عنه الطعام، بل ومنعوا عنه الشراب وهو الذي اشترى بئر رومة من خالص ماله رضي الله عنه وأرضاه!