[مقتل عثمان رضي الله عنه]
وفي الليلة الموعودة أيها الأحباب! يأتيه حبيبه رسول الله صلى الله عليه وسلم في نومه ويقول: يا عثمان! أفطر عندنا غداً كما رواه الإمام الطبري بسند صحيح، وذكره الإمام ابن الأثير في (الكامل) ، واطمأن عثمان، وعلم أن الحياة إلى زوال، وأن الحياة إلى فناء، فابن الثمانين ماذا يريد بعد ذلك؟! وهو الذي تربى في مدرسة النبوة، وهو الذي كان يردد دائماً قوله تعالى: {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنْ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِراً} [الكهف:٤٥] ، فاطمأن عثمان، وعاد إلى كتاب الله الذي خطه بيمينه المباركة، فجعل يقرأ؛ ليخالط القرآن روحه، وليخالط القرآن دمه كما خالطت آيات القرآن روحه من قبل.
ودخل هؤلاء الموتورون على عثمان من دار أخرى إلى جوار داره، فلم يلبث أن رآهم أمام عينيه، فلم يتلفت ولم ينتبه! وإنما انكب على كتاب الله يقرأ آيات الله، ويرتل قرآن الله جل وعلا، فانقض عليه الوقح الغافقي، ونظر إلى عثمان وبيده حديدة، فضرب عثمان بالحديدة في رأسه! وركل المصحف برجله! فاستدار المصحف وعاد بين يدي عثمان مرة أخرى، ويأبى إلا أن يخالط دماءه كما خالط روحه وقلبه! فبالله عليكم! أهؤلاء قوم يريدون الله والدار الآخرة، وهم يركلون كتاب الله بأرجلهم! ويدعون أنهم يريدون الله ورسوله؟!! ويأتي التجيبي -عليه من الله ما يستحقه- بالسيف مخترطاً ليضعه في بطن عثمان رضي الله عنه! فتأتي زوجته الصادقة المخلصة؛ لتخلص زوجها، فيقطع هذا الوغد يدها! ويضع السيف في بطن عثمان رضي الله عنه وأرضاه، فيقتله! ويأتي الأحمق الآخر عمر بن الحمق ليطعن عثمان رضي الله عنه بعد هذا كله تسع طعنات في صدره! ويقول: طعنته ثلاثاً لله! وستاً لما كان في صدري عليه! ولو صدق عدو الله لقال: طعنته تسع طعنات لما كان في صدري عليه، ويأتي واحد منهم؛ ليجرد البيت من كل شيء حتى الملاءة التي كانت تلتف بها نائلة رضي الله عنها، فيأخذ الملاءة من على جسدها، فتظهر عظامها، ويظهر جسدها، فيقول الخبيث الوقح: ما أعظم عظامها! فتقول المرأة الذكية النقية: يا سبحان الله! إن القوم لا يريدون الله والدار الآخرة، وإنما يريدون الدنيا، فهل هناك رجل يريد الله والدار الآخرة يقول هذه القولة الخبيثة في زوج خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ويزداد ورعهم الكاذب والخبيث، فيقفون على الطرقات؛ ليمنعوا عثمان أن يدفن في مقابر المسلمين، وقالوا: عثمان لا يدفن في البقيع، ولا يدفن في مقابر المسلمين! أيها الأوغاد عثمان خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصاحب بئر رومة، ومجهز جيش العسرة، وزوج أم كلثوم ورقية لا يدفن في مقابر المسلمين؟!! نعم! إنه الورع الكاذب المدعى! والورع المفترى؛ لأنهم تظاهروا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ليستميلوا الناس إليهم، ويدفن عثمان في حش كوكب في مكان خلف البقيع، ولما تولى معاوية رضي الله عنه أدخله في مقابر المسلمين في البقيع، وأمر الناس بالدفن حول قبر عثمان رضي الله عنه وأرضاه.
أيها الأحبة! ماذا نقول؟! لا نقول أكثر من قولنا: جزى الله عثمان عن الإسلام والمسلمين خير ما جزى صالحاً أو مصلحاً.
وأسأل الله جل وعلا أن يجمعنا مع عثمان ومع صاحبيه، ومع أستاذهم محمد صلى الله عليه وسلم في مستقر رحمته، إنه ولي ذلك ومولاه، وهو على كل شيء قدير.
اللهم هيئ لأمة التوحيد أمر رشد يُعز فيه أهل طاعتك، ويُذل فيه أهل معصيتك، ويُؤمر فيه بالمعروف، ويُنهى فيه عن المنكر، أنت ولي ذلك والقادر عليه.
اللهم أصلح ولاة أمور المسلمين، اللهم أصلحهم يا رب العالمين! وارزقهم البطانة الصالحة الناصحة بمنك وكرمك يا أرحم الراحمين! اللهم اجعل هذه البلاد سخاءً رخاءً وسائر بلاد المسلمين.
اللهم اقبلنا وتقبل منا، وتب علينا، إنك أنت التواب الرحيم.
هذا وأكثروا من الصلاة والسلام على نبينا وحبيبنا محمد كما أمركم الله جل وعلا بذلك في محكم تنزيله فقال: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:٥٦] ، اللهم صل وسلم وزد وبارك على نبينا وحبيبنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.
هذا وما كان من توفيق فمن الله، وما كان من خطأ أو سهو أو زلل أو نسيان فمني ومن الشيطان، والله ورسوله منه براء، وأعوذ بالله أن أذكركم به وأنساه! والحمد لله رب العالمين.