لقد ربط الله بين هذه القلوب وملأها بالحب والمودة والرحمة، وإن أعظم الأدلة على ذلك في عجالة: أن ابن مسعود لما علم أن عثمان قد أتم الصلاة بمنى صلى بأصحابه أربع ركعات، فقال تلاميذه: ألم تحدثنا أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى ركعتين وأبو بكر وعمر؟! قال: وأنا أحدثكموه الآن، ولكن عثمان كان إماماً للمسلمين، فخشيت أن أخالفه، فإن الخلاف شر كله، بل وخرج ابن مسعود ليهدئ من ثورة الأصحاب الذين غضبوا لما أتم عثمان الصلاة في منى، فقابله عبد الرحمن بن عوف وقال: هل سمعت يا أبا عبد الرحمن؟! لقد أتم عثمان الصلاة فصليت بأصحابي ركعتين، فقال ابن مسعود لـ عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهم جميعاً، ولكني صليت بأصحابي أربع ركعات، وخشيت أن أخالف عثمان فإن الخلاف شر كله، فقال عبد الرحمن: أما الآن فسوف أفعل ما قلته يا أبا عبد الرحمن.
إنها قلوب طاهرة مطهرة تميل مع الشرع حيث مال، وتنطلق مع الحق حيث راح وحيث انطلق لا تشوبها شائبة من شوائب الأحقاد والضغائن ألبتة، إنهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل ويقابل عثمان ابن مسعود في منى، والحديث رواه البخاري ومسلم فيقول عثمان: يا أبا عبد الرحمن! ينادي على ابن مسعود، يا أبا عبد الرحمن! إن لي إليك حاجة، فيقول: ما هي يا أمير المؤمنين؟ فيقول عثمان رضي الله عنه لـ ابن مسعود: هلا نزوجك بكراً تذكرك ما كان قد مضى؟! انظروا إلى هذه الدعابة بين عثمان وبين ابن مسعود، فقال ابن مسعود: أما وقد قلت ذلك، فلقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:(يا معشر الشباب! من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، فمن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء) .
وذهب عثمان إلى ابن مسعود على فراش الموت، فقال له: يا ابن مسعود! من أي شيء تشكو؟ قال: أشكو ذنوبي، ابن مسعود يقول: أشكو ذنوبي! قال: أي شيء ترجو؟ قال: رحمة ربي، قال: أي شيء تخاف؟ قال: أخاف عذاب الله، قال: هل أدعو لك الطبيب؟ قال: الطبيب أمرضني، قال: هل آمر لك بعطاء؟ قال: لا حاجة لي فيه يا أمير المؤمنين!