[صبر خديجة رضي الله عنها ووفاؤها للنبي عليه الصلاة والسلام]
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه وأتباعه، وعلى كل من اهتدى بهديه واستن بسنته واقتفى أثره إلى يوم الدين.
أما بعد: فيا أيها الأحبة! وهكذا مرحلة جديدة في حياة خديجة مع النبي صلى الله عليه وسلم، لا سيما بعدما فتر الوحي ونزل عليه بعد ذلك قول الله جل وعلا:{يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ * وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ}[المدثر:١-٥] ، نزل عليه صدر سورة المدثر فبدأ النبي صلى الله عليه وسلم يدعو إلى الله تبارك وتعالى، ولاقى من أصناف العذاب والاضطهاد والبلاء ما تنوء بحمله الجبال الراسيات، وكان في كل مرة يرجع إلى بيته النقي التقي ليجد في بيت خديجة رضي الله عنها وأرضاها السكينة.
أيها الأحبة! ضربت خديجة رضي الله عنها أروع الأمثلة في الصبر على البلاء، والوفاء لزوجها، والإيثار، والجود، والمحبة، والإخلاص، والكرم، وكانت تشد من أزره، وتقف خلفه ليدعو إلى الله جل وعلا، حتى بلغ البلاء أقصاه، ودخل المسلمون في حصار اقتصادي رهيب، وهي دندنة قديمة حديثة من أهل الكفر والشرك على أهل التوحيد والإيمان في كل زمان ومكان، فرض على المسلمين حصار اقتصادي رهيب من المشركين في مكة، واستمر هذا الحصار ثلاثة أعوام، ودخل في هذا الحصار مع رسول الله صلى الله عليه وسلم زوجته الصابرة الوفية خديجة رضي الله عنها، وقدمت كل ما تملك من مال، واتصلت بابن عمها وابن خالها ليأتي بالطعام للمسلمين المحاصرين في هذا الشعب، الذين أكلوا ورق الشجر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما صدهم ذلك عن دين الله جل وعلا، ولا عن نصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأخيراً -أيها الأحباب- نصر الله عبده وعباده، وأخرجهم من هذا الحصار، وقد انتصروا انتصاراً إيمانياً كبيراً على أنفسهم، وعلى ذواتهم، وعلى الوقوف إلى جوار نبيهم، وعلى نصرة نبيهم صلى الله عليه وسلم.