لما ذهب الشافعي لزيارة الإمام أحمد وهو على فراش المرض -بعدما رحل الشافعي إلى العراق رحلته الثانية مرض أحمد - وكان الشافعي يحبه، كما كان أحمد يحب أستاذه الشافعي، يقول صالح بن الإمام أحمد: وكان أبي عليلاً نائماً في فراشه، فلما دخل عليه الشافعي وجدت أبي قد وثب من فراشه وقام إلى الشافعي وقبله بين عينيه وأجلسه في مكانه وجلس أبي بين قدميه، وجعل أبي يسائله ساعة، فلما قام الشافعي ليركب دابته، قام أبي وأخذ بخطام الدابة يقودها للشافعي، فلما علم يحيى بن معين جاء إلى الإمام أحمد وقال: يا أبا عبد الله! أضطرك الأمر إلى أن تجر خطام بغلة الشافعي؟! -إلى أن تمشي إلى جوار بغلة الشافعي - فقال أحمد: نعم يا أبا زكريا، ولو مشيت أنت من الجانب الآخر لانتفعت كثيراً، والله من أراد الفقه فليلزم الشافعي، حتى جلس الإمام أحمد يوماً في مجلس علمه فقال لطلبته: ما ترون هذا أو عامته -أي: من علمٍ- فإنما هو من الشافعي، ثم قال: والله ما بتُّ منذ أربعين سنة إلا وأنا أدعو الله للشافعي، حتى قال له ولده عبد الله يوماً: يا أبتِ! من هذا الشافعي الذي أراك تكثر الدعاء له؟ فقال الإمام أحمد: يا بني إن الشافعي كان كالشمس للدنيا وكالعافية للناس، فانظر هل لهذين من خلف أو لهما من عوض.
هذا قول الإمام أحمد -وهو من هو- في أستاذه الشافعي.
وقال فيه أيضاً إمام الجرح والتعديل يحيى بن سعيد القطان:"والله ما رأيت أعقل ولا أفقه من الشافعي " وقال الإمام العلم أبو القاسم عبيد الله بن سلام: والله ما رأيت أفقه ولا أفهم من الشافعي، ولو استطردت مع أقوال الأئمة من أئمة الجرح والتعديل لطال بنا المقام، وكفانا أن نستمع إلى قول أحمد في الشافعي رضي الله عنهما بل وعنهم جميعاً.
وهكذا أيها الأحبة! اشتهر ذكر الشافعي وعلا فضله، وسما قدره، وحكم له شيوخه وأساتذته بالفضل، حتى كان الشافعي يجلس في حلقة شيخه سفيان بن عيينة فإذا ما جدت مسألة لـ سفيان نظر سفيان إلى الشافعي وسأله عنها فأجاب الشافعي، فسعد سفيان بإجابة الشافعي وقال قولته التي تكررت كثيراً: جزاك الله خيراً يا أبا عبد الله، والله لا يأتينا منك إلا ما هو خير، هذه شهادة من أستاذه الذي جلس الشافعي في حلقته ليجيب بدله يوماً من الأيام.