وفي عهد علي في أول خلافته قامت الفتنة -فتنة وقعة الجمل- التي ندمت عليها أمنا رضي الله عنها ندماً شديداً.
وأود في عجالة أن أنبه إلى اتهام باطل اتهمت به عائشة رضي الله عنها، وشحنت به بعض كتب التاريخ والسير، ألا وهو أن عائشة هي التي ذهبت إلى الكوفة والبصرة لتجييش الجيوش للخروج على علي ولحربه، وهذا افتراء باطل وكاذب، وإن أعظم دليل على كذب هذا: ما رواه الطبري بسند صحيح عن الأحنف بن قيس أنه قال: ذهبت إلى المدينة النبوية فرأيت الناس قد اجتمعوا في وسط المسجد النبوي، والناس يحاصرون عثمان رضي الله عنه، فلقيت طلحة والزبير فقلت لهما: والله ما أرى عثمان إلا مقتولاً، فإن قتل فمن تأمراني أن أبايع؟ فقال طلحة والزبير: عليك أن تبايع علياً.
يقول الأحنف بن قيس: فعدت إلى مكة فلقيت عائشة رضي الله عنها، فبلغنا خبر مقتل عثمان، فقلت: يا أماه! من تأمريني أن أبايع؟ فقالت عائشة: عليك بـ علي.
يقول الأحنف: فعدت إلى المدينة فبايعت علياً ثم رجعت إلى البصرة مرة أخرى.
أما ذهابها إلى الكوفة والبصرة فقد شرحته قبل ذلك مفصلاً في اللقاء الرابع من هذه السلسلة في خطبة علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وما ذهبت إلا متأولة، تريد الصلح والإصلاح بين المسلمين، وجمع كلمتهم، متأولة بقول الله جل وعلا:{لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا}[النساء:١١٤] إلا أنه وقع عكس ما كانت تتمناه وتريده تماماً، حتى كانت إذا ذكرت يوم الجمل تبكي، ويبلل البكاء خمارها وتقول: يا ليتني مت قبل هذا اليوم بعشرين سنة!