كان الشافعي قد وصل إلى مرحلة فريدة في العلم، فجلس الشافعي في مكة يؤصل الأصول، ويقعد القواعد، واتخذ له حلقة في مسجد الله الحرام، جمعت إليه الناس ولفتت إليه الأنظار، وازدحمت حلقة الشافعي ازدحاماً عجيباً، حتى إن الإمام أحمد إمام أهل السنة جاء حاجاً من بغداد من بلاد العراق إلى مكة المكرمة شرفها الله، فترك الإمام أحمد حلقة شيخ الشافعي سفيان بن عيينة، وعكف في حلقة الشافعي، بل ولم يكتفِ الإمام بهذا، إنما ذهب إلى أخيه وصاحب رحلته إسحاق بن راهويه وقال: تعال يا إسحاق أريك رجلاً بـ مكة ما رأت عيناك مثله، يقول إسحاق: فأراني أحمد الشافعي.
وأُعجب الإمام أحمد بذكاء وعلم الشافعي إعجاباً رهيباً، لأنه يسمع أصولاً وقواعد لأول مرة يسمعها وغيره من أهل العلم، فإن أول من أصَّل الأصول وقعد القواعد هو الإمام الشافعي رضي الله عنه وأرضاه، حتى قال أحمد قولته الخالدة الجميلة: لولا الشافعي ما تعلمنا فقه الحديث، وقال: كان الفقه مغلقاً على أهله حتى فتحه الله بـ الشافعي، وقال: ما من أحد مس محبرة ولا قلماً بعد الشافعي إلا وله في عنقه منّة، وقال: والله ما أعلم أحداً أعظم منة وبركة على الإسلام في زمن الشافعي من الشافعي.