ولن نخرج في هذا اللقاء عن أوسمة الشرف، وشهادات البطولة والفضيلة من رسول الله صلى الله عليه وسلم لـ عثمان بن عفان؛ ليقف المرجفون وليخرس الموتورون في كل زمان ومكان، الذين ما زالوا إلى يومنا هذا على صفحات الجرائد وفي الإذاعات يتهمون عثمان، ويظلمون عثمان رضي الله عنه، ويتكلمون عنه وعن إخوانه من الصحابة كما يتكلمون عن سفلة الخلق وحطمة الناس!! لما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة اشتكى الصحابة رضي الله عنهم أزمة خطيرة، اشتكوا أزمة الماء؛ لأنه لم يكن بالمدينة ماء يستعذب غير بئر رومة، وكانت ليهودي جشع وقح، يبيع ملء القربة بأغلى الأثمان! فاشتكى الفقراء من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم جشع هذا اليهودي إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام، وتمنى النبي صلى الله عليه وسلم أن لو وجد من بين الصحابة من يشتري بئر رومة ويجعل ماءها للمسلمين بغير ثمن ولا حساب، وقام النبي صلى الله عليه وسلم يعلن رغبته هذه بين الصحابة، كما في الحديث الذي رواه الترمذي بسند حسن قال صلى الله عليه وسلم:(من يشتري بئر رومة، ويجعل دلوه مع دلاء المسلمين، وله بها عين في الجنة؟! -وفي رواية: وله بها خير منها في الجنة؟! -) ولم تجد الأزمة إلا عثمانها المعطاء رضي الله عنه، الذي سمع الدعوة من رسول الله، وأن فيها عيناً في الجنة! فعلم أنها نعم التجارة، وأنها أربح التجارة، وينطلق عثمان سريعاً إلى هذا اليهودي يريد أن يشتري منه البئر بكاملها، فيرفض اليهودي الجشع أن يبيع البئر، فساومه عثمان على أن يشتري نصفها، فاشترى عثمان نصفها باثني عشر ألف درهم! على أن يكون لليهودي يوم ولـ عثمان يوم آخر، وكان المسلمون يستسقون في يوم عثمان ما يكفيهم ليومين، فلما رأى اليهودي الغبي أن تجارته قد بارت، وأن سوقه قد كسدت، ذهب بنفسه إلى عثمان ليعرض عليه النصف الآخر، فاشترى عثمان نصفها الآخر بثمانية آلاف درهم؛ ليجعل ماء البئر كله إلى المسلمين بغير ثمن ولا حساب، أقصد: بغير ثمن ولا حساب مادي زائل؛ لأن حطام الدنيا ظل زائل، ولأن المال عارية مسترجعة، وإنما الثمن الأعظم والحساب الأكبر في صحائف عثمان هو يوم القيامة:{يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ}[الشعراء:٨٨-٨٩] .