السبب الأول من أسباب الخلاف بين الصحابة رضوان الله عليهم: أن بعضهم لم يبلغهم الحديث، فالبعض قد يسمع الحديث من رسول الله صلى الله عليه وسلم والبعض قد لا يسمع الحديث منه عليه الصلاة والسلام، وإن من أوضح الأدلة على ذلك: ما رواه الإمام البخاري،وقد روى قصة سفر أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى بلاد الشام، وأخبر عمر في الطريق أن بها وباء الطاعون -الذي مات فيه أبو عبيدة رضي الله عنه- فجمع عمر الصحابة واستشارهم، واختلف الصحابة على رأيين، فمنهم من قال بدخول الشام، ومنهم من قال بعدم الدخول، وكان عمر من أنصار الرأي الثاني، وقال قولته الجميلة حينما قيل له: يا أمير المؤمنين! نفر من قدر الله؟ فقال:(نعم.
نفر من قدر الله إلى قدر الله) .
وجاء عبد الرحمن بن عوف وكان غائباً عن الصحابة لحاجة من حاجاته، فلما رأى هذا الخلاف بين الصحابة على الرأيين قال عبد الرحمن لقد سمعت في ذلك حديثاً من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عمر ما هو؟ قال عبد الرحمن سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول:(إذا سمعتم بالطاعون في بلد فلا تقدموا عليه وإذا وقع في أرض وأنتم بها فلا تخرجوا فراراً منه) فسعد عمر بن الخطاب رضي الله عنه وحمد الله عز وجل.
وعند هذا الحد انتهى الخلاف.
والشاهد من هذا: أن بعض كبار الصحابة كـ عمر رضي الله عنه لم يسمع هذا الحديث من النبي صلى الله عليه وسلم ولم يبلغه الدليل فاجتهد رأيه، فلما بلغه الدليل أقر الجميع بحديث النبي صلى الله عليه وسلم.