للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[مواقف من حياة الإمام علي بن أبي طالب]

الحمد لله رب العالمين نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له, ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه من خلقه وخليله, أدّى الأمانة وبلّغ الرسالة ونصح الأمة وكشف الله به الغمة وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين, فاللهم اجزه عنا خير ما جازيت نبياً عن أمته ورسولاً عن دعوته ورسالته, وصلِّ اللهم وسلم وزد وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه، وعلى كل من اهتدى بهديه واستن بسنته واقتفى أثره إلى يوم الدين.

أما بعد: فحيا الله هذه الوجوه الطيبة المشرقة وزكى الله هذه الأنفس المطمئنة بالإيمان, وشرح الله هذه الصدور، وأسأل الله جل وعلا أن يتقبل مني وإياكم صالح الأعمال، وأن يجمعني وإياكم في الدنيا دائماً وأبداً على طاعته، وفي الآخرة في جنته ومستقر رحمته، إنه ولي ذلك ومولاه وهو على كل شيء قدير.

أحبتي في الله: مع أئمة الهدى ومصابيح الدجى, ونحن اليوم على موعد مع العابد التقي الورع الذي تفوَّق على إغراء دنيا البشر, إننا اليوم على موعد مع خليفة آخر، من طراز عمر في شدته وعدله واستقامته وورعه وزهده وتواضعه, إنه الرجل والخطيب المفوه البارع الذي تهتز الدنيا لكلماته، وهي تخرج من وراء شفتيه كأنها نور يبدد الظلماء, إنه الفقيه العالم الذي يجري الحق على لسانه وقلبه، إنه تلميذ بيت النبوة الذي تربى في حجر المصطفى صلى الله عليه وسلم وكفى, إنه الرجل الذي أحب الله ورسوله وأحبه الله ورسوله، إنه الرجل الذي اضطر يوماً لأن يفخر بهذه الفضائل وبتلك المكارم فقال:

محمدٌ النبي أخي وصهري وحمزة سيد الشهداء عمي

وجعفر من يمسي ويضحي يطير مع الملائكة ابن أمي

وبنت محمد سكني وزوجي منوط لحمها بدمي ولحمي

وسبطا أحمد ولداي منها فأيكم له سهم كسهمي

إننا اليوم على موعد مع الشهيد المظلوم علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه.

أحبتي في الله! الحق أقول لكم: لقد صحبت التاريخ طوال الأسبوع الماضي في مراجعه وأمهاته الكبار، لكي أدرس من جديد حياة الإمام دراسة دقيقة في فترة حرجة من أحرج فترات التاريخ الإسلامي, بيد أن محاولة تلخيص حياة الإمام في هذه الدقائق المعدودات محاولة صعبة وعسيرة, فحياة الإمام لاسيما في مراحلها الأخيرة التي بدأت باستخلافه وانتهت باستشهاده لم تكن حياة عادية وإنما كانت تتفجر بالعظمة والجلال، وتموج بالأسى والهول موجاً في آن واحد.

فهيا بنا سريعاً إلى هذه الحياة الحافلة بالبطولة والألم والعظمة والمأساة, والبأساء والضراء, والنصر والهزيمة, والرخاء والشدة, والبسمة والدمعة, والفرح والحزن, هيا بنا إلى حياة الإمام علي رضي الله عنه وأرضاه، وتعالوا بنا لنستهل هذه الحياة العامرة المباركة الكريمة بشهادات الحق وأوسمة الصدق التي منحها الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم علياً رضي الله عنه وأرضاه.

<<  <  ج: ص:  >  >>