أيها الأحباب! هذا هو تاريخنا، وهؤلاء هم أجدادنا وأبطالنا، هذا هو أبو بكر رضي الله عنه، ذلكم الرجل الذي وقف موقفاً عجيباً رهيباً يوم أن قام النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر في مرضه الأخير قبل الموت وقال -كما ورد في حديث أبي سعيد الذي رواه البخاري ومسلم -: (أيها الناس! إن عبداً من عباد الله خيره الله بين أن يؤتيه من زهرة الدنيا ما شاء وبين ما عند الله، فاختار ما عند الله، فبكى الصديق رضي الله عنه، وقال: فديناك بآبائنا يا رسول الله! فديناك بأمهاتنا يا رسول الله! فديناك بأنفسنا يا رسول الله!) ، فضج الناس في المسجد عجباً لهذا الشيخ، الرسول صلى الله عليه وسلم يخبر عن عبد خيره الله بين الدنيا والآخرة فاختار ما عند الله فما الذي يقوله ويفعله أبو بكر رضي الله عنه؟! ولكن الصديق علم أن العبد المخير هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففداه بنفسه وأبيه وأمه، فداه بماله وبكل شيء.
يقول أبو سعيد: فكان أبو بكر أعلمنا برسول الله صلى الله عليه وسلم.
وفي يوم الإثنين كشف عليه الصلاة والسلام الستر من حجرة عائشة رضي الله عنها ونظر إلى المسجد فرآهم وهم يصلون وراء إمامهم الصديق رضي الله عنه، وكاد الناس أن يفتنون في الصلاة، وسمع الصديق صوتاً وجلبة -وكان لا يلتفت في الصلاة أبداً- فعلم أن هذا الصوت لا يكون إلا لخروج النبي صلى الله عليه وسلم، فكاد الصديق أن يخلي مكان إمام الأئمة، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم أشار إليهم أن اثبتوا، ودخل الحبيب إلى غرفة عائشة وكان ملك الموت في انتظاره، فإن الأجل قد حان، والعمر انتهى كما حدده الله جل وعلا.