ولم تلبث الزوجة الصابرة الوفية الطاهرة أن لبت نداء ربها جل وعلا بعد الخروج من هذه المقاطعة الاقتصادية؛ لتلقى الله تبارك وتعالى مبشرة ببشارة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة:{فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ}[القمر:٥٤-٥٥] ، وحزن الحبيب صلى الله عليه وسلم عليها حزناً يفتت الأكباد، بل ونزل بنفسه إلى قبرها، وكان أول قبر ينزل إليه الرسول صلى الله عليه وسلم ليدفنها الحبيب صلى الله عليه وسلم بيديه.
ووالله إن كانت فارقته بجسدها فما فارقت قلب حبيبنا ونبينا صلى الله عليه وسلم، حتى دبت الغيرة بعد موتها في قلب عائشة التي أحبها صلى الله عليه وسلم، ورد في الصحيحين من حديثها رضي الله عنها قالت:(ما غرت من أحد من نساء النبي ما غرت من خديجة قط، من كثرة ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يذكرها، وربما كان يذبح الشاة ويهدي لصديقات خديجة، وربما قلت له -هكذا تقول عائشة -: ألا يوجد في الدنيا امرأة إلا خديجة؟! فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: إنها كانت وكانت -أي: ظل يعدد النبي محاسنها، وقال لها: ولقد رزقني الله منها الولد) ، وفي رواية في صحيح مسلم: أنه صلى الله عليه وسلم قال لـ عائشة يوماً: (لقد رزقت حب خديجة) .
هذا هو رمز الوفاء، وهذا هو سكن سيد الأنبياء، هذا رمز الإخلاص، هذه هي القدوة الطيبة والمثل الأعلى الذي نقدمه للمسلمات وللمؤمنات لا سيما بعد سنوات التيه والتغريب التي رأت المرأة المسلمة فيها ببصرها إلى الكافرات والماجنات، واستمعت المسلمة فيها إلى أدعياء التحرر والتبرج والسفور من أعداء الإسلام في الشرق الملحد وفي الغرب الكافر، أو من أفراخهم الذين تربوا في مدارسهم في بلاد المسلمين.
فيا أيتها المسلمة! هذه هي القدوة، وذلكم هو المثال، فلتعودي مرة أخرى لتنظري ببصر، ولتنظري بقلب، ولتنظري بعقل إلى هذه القدوات الصالحات الطيبات الطاهرات؛ لتشقي طريق المجد والعزة والكرامة مرة أخرى من جديد.
نسأل الله جل وعلا أن يصلح نساءنا، وأن يبارك لنا في ذرياتنا، وأن يجعلهم قرة أعين لنا في الدنيا والآخرة، إنه ولي ذلك ومولاه.
اللهم قيض لأمة التوحيد أمر رشد، يعز فيه أهل طاعتك، ويذل فيه أهل معصيتك، ويؤمر فيه بالمعروف، وينهى فيه عن المنكر، أنت ولي ذلك ومولاه.
اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين، وأعل بفضلك كلمة الحق والدين، اللهم أقر أعيينا بنصرة الإسلام، اللهم أقر أعيينا بعز الإسلام والمسلمين، أنت ولي ذلك والقادر عليه يا رب العالمين.