إن الحمد لله نحمده ونستعينه نستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه من خلقه وخليله، أدى الأمانة، وبلَّغ الرسالة، ونصح الأمة، وكشف الله به الغمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين، فاللهم اجزه عنا خير ما جازيت نبياً عن أمته، ورسولاً عن دعوته ورسالته، وصلِّ اللهم وسلم وزد وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه، وعلى كل من اهتدى بهديه واستن بسنته واقتفى أثره إلى يوم الدين.
أما بعد: فحيا الله هذه الوجوه الطيبة المشرقة، وزكى الله هذه الأنفس، وشرح الله هذه الصدور، وأسأل الله جل وعلا أن يتقبل مني وإياكم صالح الأعمال، وأن يجمعني وإياكم في الدنيا دائماً وأبداً على طاعته، وفي الآخرة مع سيد النبيين في جنته ومستقر رحمته، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
ثم أما بعد: أحبتي في الله! فمع اللقاء السادس عشر مع أئمة الهدى ومصابيح الدجى، تلك السلسلة الكريمة التي نقدمها لأبناء الصحوة خاصة وللمسلمين عامة، لنبرز من خلالها القدوة الصالحة الطيبة، ولنبين من خلالها المثل العليا في وقت قلَّت فيه القدوة، بل وقدم فيه الفارغون والتافهون ليكونوا القدوة والمثال، ولنصحح من خلالها -أيضاً- بعض حقائق التاريخ التي شوّهت وحرّفت وبدّلت، لا سيما بعد فترة التغريب الطويلة التي مسخت الهوية وأضعفت الانتماء.
أحبتي في الله! إننا اليوم على موعد مع إمام كبير من الأئمة، وهاهي الأيام تمر، والأشهر تجري وراءها، تسحب معها السنين وتجر خلفها الأعمار، وتطوى حياة جيل بعد جيل، ومن الناس من تفارقنا أجسادهم وأبدانهم، وتبقى سيرتهم حية متحركة فاعلة عاملة، تنشر على الدنيا ربيع علمهم، وعبير فضلهم، وحسن خلقهم، ومع أننا نعيش عصراً حال فيه ضباب المادة، وغيوم المدنية الزائفة عن رؤية صفاء السماء، وما يشرق فيها من شموس وأقمار، وما يلتمع فيها من نجوم وكواكب، أقول: مع هذا كله إلا أن هناك من الأقمار والنجوم ما يبدد نوره ذلك الضباب، وما يخترق نوره تلك الغيوم ليبقى هذا الكوكب وهذا النجم متألقاً مشرقاً ينشر على الدنيا نوره، وينثر على الأرض وعلى الناس ضياءه.
ولم لا وهؤلاء حقاً أقمارٌ ساطعة تستمد نورها دائماً وأبداً من شمس النبوة، تلك الشمس الكريمة التي لا يغيب نورها ولا يخبو ضيائها.
أحبتي في الله! إننا اليوم على موعد مع إمام كبير من هذا الطراز، مع إمام أراني الآن وأنا أقدمه لحضراتكم في هذه الدقائق المعدودات معدداً مناقبه وفضائله ومآثره، أراني الآن كمن يدل على إشراق الصباح بمصباح، أين نور السها من شمس الضحى، ولم لا وقد قال عنه تلميذه الوفي الذكي النجيب إمام أهل السنة الإمام أحمد: كان كالشمس للدنيا وكالعافية للناس، فانظر هل ترى لهذين من عوض أو هل ترى لهما من خلف.
إنه فقيه الملة وناصر السنة وسيد أهل زمانه، الذي حاز المراتب العالية، وفاز بالمناقب السامية، فهو العالم بالقرآن وعلومه -انتبهوا فهذه رءوس أقلام لا يتسع الوقت لشرحها مفصلة- العالم بالحديث وأصوله، العالم بالفقه وقواعده، العالم باللغة والأدب والشعر وفرائده، العالم بالأنساب وأيام الناس، بل العالم بالطب في زمانه، العابد الزاهد التقي النقي، القرشي ثم المطلبي محمد بن إدريس الشافعي.
إننا اليوم على موعدٍ مع الإمام الشافعي، ووالله إني لأحس بخجل شديد وأنا أريد اليوم أن أقدم لحضراتكم الشافعي في هذه الدقائق المعدودات المعلومات، فمن هو الشافعي؟ تعالوا بنا سريعاً لنعيش مع حياة هذا العلم.