[إنهم تلاميذ محمد صلى الله عليه وسلم]
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، الحمد لله الذي لم يتخذ ولداً ولم يكن له شريك في الملك وما كان معه من إله، الذي لا إله إلا هو، فلا خالق غيره ولا رب سواه، المستحق لجميع أنواع العبادة، ولذا قضى أن لا نعبد إلا إياه، {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} [الحج:٦٢] .
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، هو الأول فلا شيء قبله، وهو الآخر فلا شيء بعده، وهو الظاهر فلا شيء فوقه، وهو الباطن فلا شيء دونه وهو على كل شيء قدير.
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، أدى الأمانة، وبلغ الرسالة، ونصح الأمة، وكشف الله به الغمة، وعبد ربه حتى لبى داعيه، وجاهد في سبيله حتى أجاب مناديه، وعاش طوال أيامه ولياليه يمشي على شوك الأسى، ويخطو على جمر الكبد والعنت، يلتمس الطريق لهداية الضالين، وإرشاد الحائرين، حتى علّم الجاهل، وقوم المعوج، وأمن الخائف، وطمأن القلق، ونشر أضواء الحق والخير والإيمان والتوحيد، كما تنشر الشمس ضياءها في رابعة النهار، فاللهم اجزه عنا خير ما جازيت نبياً عن أمته، ورسولاً عن دعوته ورسالته، وصل اللهم وسلم وزد وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه، وعلى كل من اهتدى بهديه واستن بسنته، واقتفى أثره إلى يوم الدين.
أما بعد: فحيا الله هذه الوجوه الطيبة المشرقة، وزكى الله هذه الأنفس، وشرح الله هذه الصدور، وأسأل الله جل وعلا أن يتقبل مني ومنكم صالح الأعمال، وأن يجمعنا في الدنيا دائماً وأبداً على طاعته، وفي الآخرة مع سيد النبيين في جنته ومستقر رحمته، إنه ولي ذلك ومولاه وهو على كل شيء قدير.
أحبتي في الله! مع أئمة الهدى ومصابيح الدجى.
أيها الأحبة! ما كان حديثاً يفترى، ولا فتوناً يتردد، ذلك الحديث الذي روى به التاريخ أبناء أعظم ثلة ظهرت في دنيا العقيدة والإيمان، إنها حقائق تبرز كل ما كان لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من عظمة وروعة وسمو، وإن الإنسان ليقف مأخوذاً مدهوشاً أمام تاريخ هذه الثلة الكريمة المباركة، وأمام ما أنجزته في هذه الفترة الوجيزة التي لا تساوي في حساب الزمن شيئاً.
أجل! لقد دمروا العالم القديم بأعظم امبراطورياته وصولجانه وحولوه في وقت قليل إلى كثيب مهيل.
أجل! لقد شيدوا بآيات القرآن وكلماته عالماً جديداً يهتز نضرة، ويتألق عظمة، ويتفوق روعة وسمواً وكمالاً واقتداراً.
أجل! كيف استطاعوا في مثل سرعة الضوء أن يضيئوا ضمير الإنسان بحقيقة التوحيد، ولكن سيزول العجب، وتتوارى الدهشة خجلاً وحياءً إذا ما علمنا أن الذي رباهم وأن الذي علمهم هو أستاذ البشرية، ومعلم الإنسانية محمد صلى الله عليه وسلم، فهو الذي ملأ قلوبهم إيماناً ويقيناً وصدقاً وإخلاصاً وعزماً، وجعل حياتهم تتفجر روعة ونسكاً وإنتاجاً وعملاً.
إنه ابن عبد الله! ومن لكل هذا سواه؟ فلقد عاشوا معه، ورأوا رأي العين كل فضائله ومزاياه، رأوا طهره وعفته رأوا صدقه وأمانته رأوا حنانه ورحمته رأوا عقله وبيانه رأوا رجلاً عظيماً شامخاً شاهقاً علياً، لا يدرون هل استطال رأسه وارتفع إلى كواكب الجوزاء فعانقها، أم اقتربت منه كواكب الجوزاء فتوجته! إنه ابن عبد الله الذي زكاه ربه في كل شيء! زكاه في عقله فقال: {مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى} [النجم:٢] .
وزكاه في فؤاده فقال: {مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى} [النجم:١١] .
وزكاه في بصره فقال: {مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى} [النجم:١٧] .
وزكاه في صدره فقال: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} [الشرح:١] .
وزكاه في طهره فقال: {وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ} [الشرح:٢] .
وزكاه في ذكره فقال: {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} [الشرح:٤] .
وزكاه في صدقه فقال: {وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى} [النجم:٣] .
وزكاه في معلمه فقال: {عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى} [النجم:٥] .
وزكاه كله فقال: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:٤] .
بأبي هو صلى الله عليه وسلم.
فهيا بنا أحبتي في الله لنعيش هذه الدقائق مع تلميذ تربى على يد هذا الأستاذ الكبير والمعلم العظيم.
هيا أيها الأحبة لنعيش مع شاب آخر بعد أن عشنا في اللقاء الماضي مع معاذ بن جبل، فهيا لنعيش اليوم مع شاب آخر نقدمه لشباب الصحوة الإسلامية بصفة خاصة، نقدمه لهؤلاء الشباب قدوة طيبة، ومثلاً أعلى في وقت قلت فيه القدوة من ناحية، وقدم فيه الفارغون والتافهون والساقطون ليكونوا القدوة والمثال من ناحية أخرى.
وكما ذكرت فهؤلاء الذين تعتز بهم أممهم، وتقدمهم لأبنائها على أنهم القدوة وعلى أنهم المثال لو وضعوا إلى جوار عظمائنا ورجالنا وأبناء ديننا وإسلامنا لكانوا بمثابة الشمعة التي جاءت لتضيء في حضرة الشمس في رابعة النهار! هذا إن أحسنا الظن بهم.
هؤلاء الذين يفخرون ويعتزون بهم، ويكرمونهم على شاشات التلفاز في الليل والنهار، وشتان شتان بين نور السهى وشمس الضحى {صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنْ اللَّهِ صِبْغَةً} [البقرة:١٣٨] .