للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[ورع عمر وولده عبد الله]

ولو رأيت حسابه الشديد لابنه التقي النقي الزاهد الورع عبد الله بن عمر، الذي كان إماماً في الورع والزهد، انظروا إلى حساب عمر رضي الله عنه وأرضاه لهذا التقي النقي.

يخرج عمر بن الخطاب يوماً إلى السوق، فيرى إبلاً سماناً، فيسأل عمر: إبل من هذه؟ فيقول الناس: إبل عبد الله بن عمر، فينتفض عمر وكأن القيامة قد قامت! ويقول: عبد الله بن عمر بخ بخ يا ابن أمير المؤمنين! ائتوني به.

ويأتي عبد الله على الفور ليقف بين يدي عمر رضي الله عنه، فيقول عمر بن الخطاب لولده عبد الله: ما هذه الإبل يا عبد الله؟! فيقول: يا أمير المؤمنين! إنها إبلي اشتريتها بخالص مالي، وكانت إبلاً هزيلة، فأرسلت بها إلى الحمى -أي: إلى المرعى- أبتغي ما يبتغيه المسلمون: أتاجر فيها، فقال عمر بن الخطاب في تهكم لاذع مرير قاس على إمام من أئمة الورع والزهد عبد الله، قال عمر: نعم وإذا رآها الناس قالوا: ارعوا إبل ابن أمير المؤمنين، واسقوا إبل ابن أمير المؤمنين، فتسمن إبلك ويربو ربحك يا ابن أمير المؤمنين! قال عبد الله: نعم يا أبتِ، قال: اذهب وبع هذه الإبل كلها، وخذ رأس مالك فقط، ورد الربح إلى بيت مال المسلمين.

والله إن قلبي لينتفض! ولو وقف أدباء الدنيا بما آتاهم الله من بلاغة وفصاحة لسان، وعظمة وبراعة في الأسلوب والتبيان، فلن يستطيعوا أن يتحدثوا عن فاروق هذه الأمة عمر، ماذا أقول؟! إن من أروع الأمور أن ندع المواقف هكذا بدون تعليق لتتحدث المواقف بذاتها عن جلال عمر، وعن عظمة عمر، وعن هيبة عمر، وعن يقين عمر، وعن إيمان عمر؛ لنرفع رءوسنا لتعانق كواكب الجوزاء، لنقول بعزة: إن عمر ابن من أبناء إسلامنا، تربى في مدرسة الإسلام، وتخرج على يد محمد عليه الصلاة والسلام.

وكيف لا يكون عمر كذلك وهو الذي رأى أستاذه ومعلمه محمداً صلى الله عليه وسلم يقول لابنته الحبيبة فاطمة البتول: (يا فاطمة! إن من المسلمين من هو في حاجة إلى هذا المال منك) ، فشرب عمر من هذا النبع الصافي، وارتوى عمر من هذا النبع الكريم، وتخرج عمر من هذه المدرسة، وعلى يد محمد عليه الصلاة والسلام.

أيها الأحبة! من أراد أن ينظر إلى العظمة الإنسانية في أوج ذراها وعلاها فلينظر إلى عمر، ذلكم الرجل الذي انهارت أمام قدميه أعظم الامبراطوريات، وجاءته مغانمها وذهبها وفضتها، تسيل على عتبة داره بين قدميه، فلم يتغير لحظة، ولم تغيره طرفة عين، ذلكم هو عمر الذي لو تحدثت عنه عشر جمع والله ما كفاني ذلك، ولكني ألخص ما ذكرته وما ينبغي أن أذكره من حياة عمر بقولة أو بكلمات قليلات، وهذا من الصعوبة بمكان، فأقول: عمر رجل عظيم رضي الله عن عمر بن الخطاب، وأسأل الله جل وعلا أن يجزيه عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء، وأن يجمعنا به مع أستاذه ومعلمه في دار تجمع سلامة الأبدان والأديان، إنه ولي ذلك ومولاه، وأقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.

<<  <  ج: ص:  >  >>