للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الدولة العثمانية، فالسبيل الأسلم أن تؤول الأحاديث التي جاءت بصيغة الإخبار على الأحاديث التي وردت بصيغة الأمر.

ب- استدلوا بقوله - صلى الله عليه وسلم -: «أطيعوا ولو أمر عليكم عبد حبشي أجدع» (١)، لأنه لا عبرة بالنسب في مصالح الملك والدين. ورُدَّ بحمل الحديث على غير الإمام جمعاً بين الأدلة، وبأن لشرف الأنساب أثراً في جمع الآراء، ولا أشرف من قريش، إلا في حال الضرورة فيسقط هذا الشرط (٢).

وأمَّا لماذا بدا أن ابن خلدون أسقط شرطَ القرشية رغم نقله الإجماع على اشتراطه، فيمكن فهمه أن ابن خلدون فَهِمَ من اشتراط القرشية أنها كانت مظنة العصبية، فلما كانتا مقترنتين في بداية الإسلام لم يُخالِف في شرط القرشية أحدٌ يُعتد به، فلما افترقتا بعد ضعف عصبية قريش لَحِقَ الحكمُ العصبيةَ وتَرَكَ القرشيةَ، فكأن ابن خلدون رأى أن مناط اشتراط القرشية هو العصبية فالحكم يدور مع العصبية لا مع القرشية (٣).

أو لأنَّه استند إلى نظريَّة الضَّرورة لإعطاء الشرعية لمن تسلَّط على الخلافة من غير قريش لضرورة تصحيح المعاملات ولردم الهوة بين الواقع والشرع، أو بين الأمَّة وبين من يحكمها، ولا ينبغي فهمُ إسقاط ابن خلدون لشرط القرشية إلا ضمن هذا الإطار، إذ لا يُمْكِنُ له ولا لغيره إسقاط ما تم الإجماع عليه من قِبَلِ الصحابة ومَنْ بَعدهم، والضرورة تُقدَّر بقدرها، فعندما يمكن تنصيب القرشي ويتمتع بالعصبية القوية يسقط العمل بأحكام الضرورة، وبهذا الاتجاه نفهم قول من اشترط القرشية عندما قال: فإن لم يوجد قرشي مستجمع الشروط فكِناني (٤)، فإن لم يوجد فرجلٌ من ولد إسماعيل، فإن لم يكن، يولَّى رجلٌ من العجم أو جُرهمي (٥)


(١) رواه بلفظ قريب البخاري في صحيحه: ١/ ٢٤٦ كتاب الأذان، باب إمامة العبد والمولى رقم (٦٦٠). و: ٦/ ٢٦١٢ كتاب الأحكام، باب السمع والطاعة للإمام رقم (٦٧٢٣) عن أنس بن مالك. ومسلم في صحيحه: ٢/ ٩٤٤ كتاب الحج، باب استحباب رمي جمرة العقبة رقم (١٢٩٨) عن أم الحصين. وغيرهما.
(٢) شرح المقاصد للتفتازاني: ٥/ ٢٤٤.
(٣) هذا ما يفهم من كلام ابن خلدون في مقدمته: ص ١٩٤.
(٤) من أولاد كنانة الوارد في سلسلة نسب النبي - صلى الله عليه وسلم -.
(٥) أي من بني جُرهُم، وجُرهُم أصل العرب ومنهم تزوج سيدنا إسماعيل حين أنزله أبوه - صلى الله عليه وسلم - أرض مكة. مغني المحتاج للخطيب الشربيني: ٤/ ١٣٠.

<<  <   >  >>