كانت فترة الخلافة العباسية مليئة بمظاهر التعدد في الخلافة، سواءً كانت هذه المظاهر شكلية أو فعلية، فقد نشأت الدولة العباسية سنة ١٣٢ هـ وهي تحمل في طياتها بذور التعدد، لأنه كان وراء نشوئها عدد من الأسباب، منها المظالم التي كان يقوم بها الأمويون ضد القوميات غير العربية، واستئثارهم بالحكم وسوء توزيع الثروة، وكان من شعارات الثورة العباسية المساواة بين القوميات الإسلامية المختلفة، مما أظهر الروح القومية التي قويت بعد ذلك، وأقامت أسراً ودويلات إقليمية استقلت عن الدولة استقلالاً جزئياً، محافظة على ولائها للخليفة العباسي، ولم تكن ولاية وال في هذه الأقاليم المنفصلة تصبح شرعية إلا إذا أقرها الخليفة العباسي، من هذه الدول: الدولة الأغلبية التي أقامها إبراهيم بن الأغلب في أفريقية، والدولة الطاهرية التي أقامها طاهر بن الحسين في خراسان (١).
وقبل ذلك كانت أجزاء من العالم الإسلامي قد انفصلت انفصالاً تاماً عن الخلافة العباسية كالأندلس التي استقل بها عبد الرحمن الداخل بعد قيام الدولة العباسية بقليل، ودولة الأدارسة: بالمغرب التي أسسها إدريس العلوي الفار من وجه الخلافة العباسية.
وفي العصر العباسي الثاني الذي يبدأ بوفاة الواثق سنة ٢٣٢ هـ دخلت الخلافة العباسية بفترة ضعفها وظهرت الإمارات المستقلة في الشرق والغرب على حد سواء، كدعوة القرامطة في الشام، والخوارج في المغرب، والإسماعيلية في اليمن والمغرب، والطولونيين والإخشيديين في مصر.
هكذا بدت الخلافة العباسية من حيث الجملة، وسأركز البحث على أهم مظهر من مظاهر تعدد الخلفاء أثناء الخلافة العباسية، وهو الخلافة الأموية في الأندلس، والفاطمية في إفريقية والمغرب، ولبيان كيف نشأ التعدد الرابع للخلفاء من رحم هذه
(١) لمعرفة الدول التي استقلت عن الخلافة العباسية انظر: العالم الإسلامي للدكتورين حسن محمود وأحمد الشريف: ص ٢٨٣، ٣٨٩.