للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[موقف المصريين من سقوط الخلافة الفاطمية]

ذكرت أن أكثر المصريين لم يعتنقوا المذهب الشيعي الإسماعيلي، ولا عرف عنهم ميلٌ إلى مبادئه، فلم يدن بهذا المذهب إلا العناصر التي تعاونت مع الخلافة الفاطمية ودارت في فلكها، وهي الأقليات الأجنبية التي وفدت إلى مصر في صحبة الفاطميين، أو استعانوا بهم طوال فترة حكمهم، هؤلاء فقط هم الذين يمكن القول إنهم اعتنقوا المذهب الإسماعيلي، بالإضافة لعدد قليل من المصريين الذين تأثروا بالدعاية الفاطمية.

ولذلك فإن قيام صلاح الدين بقطع الخطبة للفاطميين، وتحويلها للخلافة العباسية قد قُوبل بترحيب المصريين، من العامة والفقهاء والعلماء، وقد وصف المقريزي موقف المصريين قائلاً: «فلم ينكر أحد عليه ولا تحرك له» (١)، وقول المقريزي دليل على رضا الشعب المصري عن العودة إلى المذهب السُّني رسميّاً، وكراهية الفاطميين المخالفين لهم في المذهب العقدي.

ولا يفوتني في هذا المقام أن صلاح الدين كان قد مهد لقطع الخطبة، ليس بالتقرب إلى عامة المصريين فحسب، بل خاطب مشاعرهم الدينية من خلال خطب الجمع التي سبقت إسقاط الخطبة للعاضد، وأمر أن يذكر العاضد في الخطبة بكلام يحتمل التلبيس على الشيعة فكان الخطيب يقول: «اللهم أصلح العاضد لدينك» والجمعة التي قبلها تحسس موقفهم بأن أبطل الأذان بـ «حي على خير العمل» وأمر أن يذكر في الخطبة الخلفاء الراشدون (٢)، فلما لم يجد رد فعل لدى العامة تجاه ذلك، تشجع وأمر بأن تكون الخطبة للخليفة العباسي.

مما أثار اعتراض كثير من أنصار الفاطميين وأشياعهم، الذين كانوا - في معظمهم - من غير المصريين (٣)، فقام جماعة من هؤلاء واتفقوا على إقامة خليفة ووزير، وكاتبوا الصليبيين في بيت المقدس يلتمسون مساعدتهم في تحقيق انقلابهم، ولكن صلاح الدين نجح في كشف مؤامرتهم وأحبط خطتهم، وقتلهم جميعاً عام ٥٦٩ هـ (٤)، وبمقتل هؤلاء قُضي على آخر أمل لأتباع الدولة الفاطمية في مصر، وانتهى دور الفاطميين السياسي في التاريخ.


(١) اتعاظ الحنفا للمقريزي: ٣/ ٣٢٦.
(٢) اتعاظ الحنفا للمقريزي: ٣/ ٣١٦، ٣١٧. حياة العامة للدكتورة نجوى كيرة: ص ١١٦ - ١١٧.
(٣) الدولة الفاطمية للدكتور أيمن سيد: ص ٣٠٨.
(٤) السلوك للمقريزي: ١/ ٥٣ - ٥٤. تاريخ ابن خلدون: ٤/ ٨٠ - ٨١.

<<  <   >  >>