للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأداة التي يستخدمها الخلفاء في قمع المعارضة (١).

ومن نماذج انتقاد العلماء لبعض تصرفات الخلفاء ما كان بين الفقيه عبد الرحمن بن أنعم والخليفة أبي جعفر المنصور، وكان عبد الرحمن بن أنعم رفيقاً لأبي جعفر في طلب العلم، فزاره بعدما تولى الخلافة، فسأله أبو جعفر، ظنّاً منه أنه سيسمع منه ما يرضيه، كيف رأيت سلطاني من سلطان بني أمية؟ قال ابن أنعم: ما رأيت في سلطانهم من الجور شيئاً إلا رأيته في سلطانك، فقال أبو جعفر: إنا لا نجد الأعوان، فرد عليه ابن أنعم بقول عمر بن عبد العزيز: إن السلطان بمنزلة السوق، يجلب إليها ما ينفق فيها، فإن كان بارّاً أتوه ببرِّهم، وإن كان فاجراً أتوه بفجورهم (٢)، وهكذا حمل ابن أنعم الخليفةَ المسؤولية الأساسية في تحرير الرعية من الظلم وحمايتها من الجور، وأن سلوكه ومواقفه في مناصرة العدل وإنصاف المظلوم ستكون قدوة للعمال الصغار والكبار، وإن خيار الناس سيعاونون معه عندما يرون فيه الجد في نصرة الحق وإنصاف الرعية.

والواقع أن انتقاد العلماء لجوانب من سياسة الخلفاء العباسيين كان يتم في إطار من الاعتراف العام بشرعية الخلافة العباسية والالتزام بعقيدة أهل السنة في وجوب طاعة الحاكم وإنكار الخروج عليه. أما انتقاده والاعتراض السلمي عليه أو على بعض تصرفاته؛ فكان الهدف منه تحقيق مصلحة الرعية والدفاع عن حقوقها، ولا سيما أن مذهب أهل السنة يوجب الإنكار على الحاكم إذا تنكب طريق العدل.

[سياسة العباسيين تجاه العلويين]

كان العلويون - كما تقدمت الإشارة- يرون أنهم أحق بالملك والخلافة من غيرهم؛ فكان السعي إلى منصب الخلافة شغلهم الشاغل، ولا سيما بعد مقتل الحسين بن علي رضي الله عنهما في كربلاء، وما فتئوا في كل أدوار حياتهم يصطنعون كل وسيلة لإدراك هدفهم.

وحين ظهرت الدعوة العباسية في مطلع القرن الثاني الهجري وأعلنت شعار «الرضا من آل محمد» لم يبالِ أنصارها والمتعاطفون معها كثيراً بشخصية من


(١) العصر العباسي الأول للدكتور فهمي عبد الجليل: ص ٢٦٧.
(٢) تاريخ الخلفاء للسيوطي: ص ٣٢٤ - ٣٢٥.

<<  <   >  >>