للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

استشعر الحاكمُ رقابةَ الله عليه، فإنْ لم يستشعرْها جاءه من يُذكِّره بالحق ويأمره بالمعروف وينهاه عن المنكر من أناسٍ بذلوا أنفسهم لله رخيصة، فقد قال - صلى الله عليه وسلم -: ... «أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر» (١).

وأما الرأي الخامس: القائل إنَّ الخلافة هي خلافة عن الخليفة السَّابق، فهو يعني أنَّ كل خليفة يَخْلُفُ مَنْ قَبْلَهُ، واحداً بعد واحد، حتى ينتهي إلى أبي بكر - رضي الله عنه - فيقال فيه خليفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعلى هذا خوطب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب في أول أمره بخليفة خليفة رسول الله (٢).

وأما الرأي السادس: فهو في الخلافة العامة لكل البشر، ولا علاقة له بالخلافة كموضوع سياسي، ولكن سأذكره استكمالاً للبحث، وهو يقول إن الخلافة تعني تعاقب الأمم من حيث الزمن لا أكثر، قال - عز وجل -: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا} مريم/٥٩، ولا يعني أن الخَلَفَ يُنفِّذُ رأي السلف إذ الواقع يكذب هذا، فكم خالف الخَلَفُ سيرةَ السلف، وفائدة هذه الخلافة هي التعاقب على الانتفاع بخيرات الأرض وشكر الله بالتوحيد والطاعة، وهو رأي الحسن البصري (٣)، أو هو خلافة كل البشر - آدم وبنيه- لمن سبقهم في سكنى الأرض من الملائكة والجن، وهو رأيُ ابن عبَّاس والحسن البصريّ وأبي العاليَّة ومقاتل (٤).


(١) رواه عن أبي سعيد الخدري: أبو داود في سننه أبي داود: ٤/ ١٢٤ كتاب الملاحم، باب الأمر والنهي رقم (٣٧٨١). وابن ماجه في سننه: ٢/ ١٣٢٩ كتاب الفتن، باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، رقم (٤٠١١). وأحمد في مسنده: ١٧/ ٢٢٧ - ٢٢٨ رقم (١١١٤٣) قال محقق الكتاب: إسناده ضعيف لضعف = = علي بن زيد وبقية رجاله ثقات و: ٣١/ ١٢٦ رقم (١٨٨٣٠) عن طارق بن شهاب بلفظ قريب وقال محقق الكتاب: إسناده صحيح. والحاكم في مستدركه: ٤/ ٥٥١ رقم (٨٥٤٣). والترمذي في سننه: ٤/ ٤٧١ كتاب الفتن، باب ما جاء أفضل الجهاد رقم (٢١٧٤) وقال: حديث حسن غريب من هذا الوجه.
(٢) تاريخ الطبري: ٢/ ٥٦٩. وهو رأي ابن عطية في الخلفاء حصراً، انظر: المحرر الوجيز لابن عطية: ٤/ ٥٠٢. وتفسير الثعالبي: ٤/ ٣٦ - ٣٧. مآثر الإنافة للقلقشندي: ص ١٧.
(٣) تفسير الطبري: ١/ ٢٠٠. تفسير الرازي: مج ١ ٢/ ١٨٢. الكشاف للزمخشري: ٢/ ٨٤. تفسير ابن كثير: ١/ ٢١٦. تفسير الثعالبي: ١/ ٥٧٣. تفسير البيضاوي: ١/ ٢٨١. مآثر الإنافة للقلقشندي: ١/ ١٦. التفسير المنير للدكتور وهبة الزحيلي عند هذه الآية.
(٤) سبقت الإشارة إلى هذا الرأي عند تعريف الخليفة لغةً في ص ١٠. وانظر: زاد المسير لابن الجوزي: ١/ ٦٠ عند قوله تعالى: «إني جاعل في الأرض خليفة». المستدرك على الصحيحين: ٢/ ٢٨٧ رقم (٣٠٣٥) عن ابن عباس. تفسير الطبري: ١/ ١٩٩ - ٢٠١. تفسير الواحدي: ١/ ٩٨. تفسير النسفي: ١/ ٣٦. الدر المنثور للسيوطي: ١/ ١١١. وانظر ترجمة أبي العالية في فهرس التراجم رقم (٢٣/أ). وترجمة مقاتل في رقم (١١١/أ).

<<  <   >  >>