لم يكن قيام الدولة الفاطمية في المغرب في نهاية القرن الثالث الهجري ... (سنة ٢٩٦ هـ) نتيجة من نتائج الأزمات السياسية الكبرى - فحسب - والتي اصطلى بنارها المشرق الإسلامي منذ بدايات الدولة الأموية، ثم بعد ضعف الخلافة العباسية وتراجع نفوذها على الأقاليم التابعة لها منذ عهد الخليفة المتوكل على الله العباسي (٢٣٢ - ٢٤٧ هـ)، بعد أن تسلط على الحكم عناصرُ غيرُ عربية، فارسية ثمَّ تركية، لا هَمَّ لها إلا جمع الأموال، والعمل على تقوية نفوذها في الدولة من أجل تحقيق مكاسب شخصية، دون اكتراث بمصالح الرعية، وتحوَّل الخليفة العباسي إلى موظف في خدمة رئيس الجند وإن حمل لقب الخلافة، فهو يتقاضى راتباً يحدده له الأتراك، ويقيم في قصره محجوراً عليه وعلى تصرفاته (١).
أقول لم يكن قيام الدولة الفاطمية خلافاً سياسياً فقط - كما هو الحال في الخلاف بين الدولة الأموية في الأندلس والدولة العباسية - ولكنه اتخذ مظاهر دينية باختلاف قراءات الطرفين للنصوص التي تحدثت في الخلافة وغيرها، ثم بمحاولة كل طرف نزع الشرعية عن الطرف الآخر، فالكلام عن الدولة الفاطمية ليس كلاماً عن تعددٍ في الخلفاء فقط.
وسأذكر في هذا المبحث نشأة الدولة الفاطمية في كل من أفريقية ومصر بصورة مختصرة، مبيِّناً مظاهر الصراع المختلفة بين أهل السُّنة والشيعة الإسماعيلية، بناء على اختلاف نظرة الطرفين في أمور أساسية وفرعية في الدين، وإنْ كان أصل هذا الخلاف الديني - عند التحقيق - سياسياً بامتياز، ولكنه تحول شيئاً فشيئاً إلى خلاف ديني، عندما استدعى كل فريق الأدلة والنصوص وأوَّلها بما يوافق نظرته السياسية.
(١) معالم تاريخ المغرب والأندلس للدكتور حسين مؤنس: ص ١٣٥.