تقدمت الإشارة إلى أن العلويين تعرضوا للتنكيل والمطاردة على أيدي العباسيين الذين استبدوا بالخلافة وقصروها على أسرتهم، بعد أن كان العباسيون في مرحلة الدعوة يرفعون شعار «الرضا من آل محمد»، وهو شعار يشمل العلويين والعباسيين جميعاً، وحين ظهرت النوايا الحقيقية للعباسيين في الاستبداد بالخلافة، وقام العلويون ومؤيدوهم من الشيعة بثورات ضد العباسيين، كان جزاؤهم القتل والتشريد والتنكيل.
فلجأ العلويون الطامحون إلى الخلافة إلى استخدام أسلوب التنظيم الثوري السريٍّ الذي يعتمد على طائفة من الدعاة الأكفاء المخلصين لآل البيت، المؤمنين بحقهم في الخلافة، الذين انتشروا في أرجاء العالم الإسلامي بداية من منتصف القرن الثالث الهجري.
وبعد وفاة الإمام جعفر الصادق بن علي بن زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب، طرأ على الحركة الشيعية تغيير جوهري، إذ انقسم الشيعة إلى فِرَق كثيرة، أهمُّها وأكبرها فرقتان:
(أ) الإمامية الإثنا عشرية: وهي الفرقة التي جعلت الإمامة في ابنه موسى الكاظم، ثمَّ في الأئمة من بنيه إلى الإمام الثاني عشر الحسن العسكري، ومعظم أتباع هذه الفرقة الآن في العراق وإيران.
(ب) الإمامية الإسماعيلية: وهي الفرقة التي حصرت الإمامة في إسماعيل بن جعفر الصادق، ثمَّ في ابنه محمد بن إسماعيل، ثمَّ في الأئمة من بَنيه (١)، وينتمي إلى هذه الفرقة الخلفاء الفاطميون الذين أقاموا دولتهم في المغرب الأدنى أو إفريقية أولاً سنة ٢٩٦ هـ، ثمَّ نقلوا دولتهم إلى مصر سنة ٣٥٨ هـ، وظلوا يحكمونها إلى سنة ٥٦٧ هـ.
وقد كان الشيعة الإسماعيلية أنشط من غيرهم من طوائف الشيعة، حيث أنفذوا الدعاة إلى أقطار الدولة الإسلامية على اختلافها، وركزوا على الأنحاء
(١) التبصير في الدين وتمييز الفرقة الناجية: ص ٣٨. وجواهر العقود للأسيوطي: ٢/ ٢٧٤.