للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تمهيد: مرت فترة طويلة من استقرار وحدة الدولة الإسلامية بعد انتصار عبد الملك بن مروان على عبد الله بن الزبير رضي الله عنه، فقد مرَّ حوالي ستين سنة منذ سنة ٧٣ هـ وحتى انهيار الدولة الأموية سنة ١٣٢ هـ، ولا أقصد بهذا أنه لم يكن هناك صراع على الحكم، فهذا لم ينتهِ ولن ينتهي طالما كانت هناك حياة في البشر، فالصراع والتدافع والتنافس سنة الحياة الدنيا، ولكن الذي أقصده هو عدم وصول هذا الصراع إلى درجة أن يكون هناك خليفتان أو أكثر للمسلمين في وقت واحد.

وبعد انهيار الخلافة الأموية كانت الخلافة العباسية هي الخلافة الشرعية التي لا ينازع أحد في شرعيتها، ولكن طريقة قيامها حمل في طياته بذرة التعدد في الخلفاء للمرة الرابعة، فقد هرب عبد الرحمن الداخل إلى الأندلس فاراً من بطش العباسيين، وأقام إمارة أموية مستقلة في الأندلس بعد سقوط الخلافة الأموية في دمشق بحوالي ست سنين، ثم لتتطور بعد ذلك إلى خلافة سنة ٣١٦ هـ نتيجة لعوامل مختلفة أهمها ضعف الخلافة العباسية وإعلان الخلافة الفاطمية سنة ٢٩٥هـ.

كما كانت الطريقة التي استغل بها العباسيون العلويين في بداية دعوتهم ثم انقلابهم عليهم بعد ذلك، سبباً في تشكل بذرة الخلافة الفاطمية، والتي كانت أيضاً مظهراً عملياً لتعدد الخلفاء في التاريخ الإسلامي، فاجتمع ولأول مرة ثلاثة خلفاء في وقت واحد.

وتسهيلاً للبحث المتداخل والمتشابك زمنياً ومكانياً بشكل كبير، سأتناول الموضوع مجزَّأً إلى ثلاثة مباحث، تبعاً لأطرافه الثلاثة العباسيين والأمويين والفاطميين، مبيناً باختصار نشأة كل خلافة وطبيعة العلاقات التي كانت بين هذه الخلافات الثلاث.

<<  <   >  >>