للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هذا الاختصار يوضح أنَّ القول بأنَّ الإنسان عامة والحاكمَ خاصة، هما خلفاء الله في أرضه، لا يعني إطلاق الصلاحيات، فهو لا يعني أكثر من عِظمِ المسؤولية الملقاة على عاتقهما، فالخليفة ليس ممثلاً للسلطة الإلهية، ولكنه ممثِّل لتنفيذ السُّلطة الإلهيَّة المتمثِّلة بشرعه تعالى.

وأما الرأي الثاني: القائل بأنَّ الخلافة إنَّما هي خلافة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقد قال به جمهور المتكلمين من أهل السنة (١)، لسهولة فهمه وتطبيقه، ولأنَّ الاستخلاف كما قالوا إنَّما هو في حق الغائب، أو في حق من يموت، والله منزهٌ عن ذلك (٢).

وهذا قول عامة الحنفية (٣) والمالكية (٤) والشافعية (٥) والحنابلة (٦) وغيرهم (٧).

واستدلُّوا بأنَّ أبا بكر - رضي الله عنه - نهى عن ذلك لمَّا دُعي به وقال: لست خليفةَ الله، ولكني خليفةُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (٨). وكذلك فعل عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - عندما قال له


(١) المواقف للإيجي: ٣/ ٥٧٤. شرح المواقف للجرجاني: ٨/ ٣٤٥. الإمامة للآمدي: ص ٧٢. مآثر الإنافة للقلقشندي: ١/ ١٦. وانظر صبح الأعشى للقلقشندي: ٥/ ٤١٨. الموسوعة الفقهية: ٦/ ٢١٧.
(٢) صحيح أن الله لا يغيب، ولكنه تعالى بالنسبة إلى البشر غيبٌ، وقد كتب علماء العقيدة أن أول الإيمان بالغيبيات هو الإيمان بالله، وبهذا يزول الأساس الذي استُنِد عليه في نقضِ قولِ من قال: إن الخليفة نائب عن الله. وقد نقل ابن خلدون في مقدمته: ص ١٩١ الفصل السادس والعشرون قول الجمهور هذا، ولكن سبقت الإشارة في ص (٥٣) الحاشية (٣) أنه قال في مقدمته: ص ١٩٦ أن الخليفة نائب عن الله، وقال في أثناء كلامه عن تقليد الإمارة على البلاد ما يفيد أن الخليفة نائب عن المسلمين انظر ص ٣٧، فمحصلة الكلام أن الخليفة عنده نائب عن الله والمسلمين معاً. المواقف للإيجي: ٣/ ٥٧٤. شرح المواقف للجرجاني: ٨/ ٣٤٥. الإمامة للآمدي: ص ٧٢. مآثر الإنافة للقلقشندي: ١/ ١٦. وانظر صبح الأعشى للقلقشندي: ٥/ ٤١٨. الموسوعة الفقهية: ٦/ ٢١٧.
(٣) حاشية ابن عابدين: ١/ ٥٤٨. الدر المختار للحصكفي: ٥/ ٥٠٧.
(٤) حاشية العدوي على كفاية الطالب: ١/ ١٢٧.
(٥) روضة الطالبين للنووي: ١٠/ ٤٩ كتاب الإمامة. مغني المحتاج للخطيب الشربيني: ٤/ ١٣٢. حواشي الشرواني: ٩/ ٧٥. نهاية المحتاج للرملي: ٧/ ٤٠٩ كتاب البغاة، فصل في شروط الإمام الأعظم. أسنى المطالب للأنصاري: ٤/ ١١١. الأحكام السلطانية للماوردي: ص ١٧.
(٦) الأحكام السلطانية للفرَّاء: ص ٢٧. مجموع فتاوى ابن تيمية: ٣٥/ ٤٥.
(٧) موقف العقل لمصطفى صبري: ٤/ ٣٦٣. إكليل الكرامة للقنوجي: ص ١٨. الخلافة والإمامة للخطيب: ص ٣٤٠.
(٨) السنَّة للخلال: ٢٧٤ رقم (٣٣٤) وقال: إسناده صحيح. مسند أحمد: ١/ ٢٢٥ رقم (٥٩) عن أبي بكر و: ١/ ٢٢٧ رقم (٦٤) عن أبي بكر، قال المحقق: إسناده ضعيف لانقطاعه فإن ابن أبي مليكة لم يدرك أبا بكر. وقال في مجمع الزوائد ٥/ ١٨٤: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح إلا أن ابن أبي مليكة لم يدرك الصديق. وقارن بصحيح البخاري: ٦/ ٢٦٣٩ كتاب الأحكام باب الاستخلاف رقم (٦٧٩٥) عن أبي بكر - رضي الله عنه - أنه قال لوفد بزاخة: «ثم تتبعون أذناب الإبل حتى يُري اللهُ خليفةَ نبيه - صلى الله عليه وسلم - والمهاجرين أمراً يعذرونكم به». وانظر: تفسير القرطبي: ١٤/ ٣٥٥. شرح السنة للبغوي: ١٤/ ٧٦. منهاج السنة النبوية لابن تيمية: ١/ ٣١٦. الأحكام السلطانية للماوردي: ص ١٨. التمهيد لابن عبد البر: ٢٢/ ١٢٧.

<<  <   >  >>