للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الفصل الأول

الخلاف بين عبد الله بن الزبير - رضي الله عنه - والأمويين

توطئة:

الصراع على الحكم ظاهرة اجتماعية وتاريخية لا يمكن تجاهلها، ولا يمكننا استثناء فترة الخلافة الإسلامية عبر العصور من هذه الظاهرة، وسأبين في هذا الباب ما حصل عبر التاريخ من تنازع على الخلافة، مقتصراً على تسليط الضوء على ما وصل إلى مرحلة التعدد الفعلي للخلفاء - بغض النظر عن الاعتراف لهم بشرعية إطلاق اسم الخلفاء عليهم كلهم أو لا - وفق التسلسل الزمني للظهور.

وإنما أردت أن أشير لهذا التعدد لمعرفة رأي الفقهاء فيه، ولمعرفة كم هو مقدار هذا التعدد وحجمه زمنياً في التاريخ مقارنة بمسيرة التاريخ الإسلامي كله، وأنه ليس - كما قال بعضهم - شاملاً لأغلب التاريخ الإسلامي، بل كانت القاعدة الأساسية هي وحدة الأمة ووحدة الخلافة، فالخلافة الإسلامية منذ نشأتها بقيادة الرسول - صلى الله عليه وسلم - لم تقبل التعدد، واستمر هذا الأمر قروناً حتى انهيار الخلافة العثمانية، وما حصل من تعدد في فترات متقطعة من هذا التاريخ الطويل يمثل استثناء من هذه القاعدة، ويستمد شرعيته من أحكام الضرورة، فهي خلافات ناقصة، والاقتتال الداخلي والفتن التي تصاحب التعدد في الغالب دليلٌ على صواب رأي من قال بوحدة الخلافة وخطأ تعددها (١).

ولكن ينبغي أن نتنبه إلى أن ذكر هذا التعدد ليس دليلاً للجواز، لأن الدليل لا يكون من الواقع بل من النصوص الشرعية، فالنص يحكم على الواقع وليس العكس، وذلك بعد استثناء الخلاف بين علي ومعاوية، ثم الخلاف بين الحسن بن علي ومعاوية - رضي الله عنهم - لأن له صبغة فقهية شرعية لحديث النبي - صلى الله عليه وسلم -: «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين» (٢)، أما ما حصل من خلاف على منصب


(١) وهذا ما أشار إليه بعد البحث الدكتور عبد الرزاق السنهوري في كتابه فقه الخلافة: ص ٨. حيث أوضح أن المبدأ الأساسي المشترك بين جميع دول الخلافة هو مبدأ وحدة الدولة الإسلامية، وإن تعرض هذا المبدأ لبعض الصعوبات والمشاكل نتيجة انفصال بعض الأقطار عن دولة الخلافة.
(٢) سبق تخريجه في: ص (٧٣) حاشية (٢).

<<  <   >  >>