للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وفق إرادة الخليفة (١).

وأمَّا الخوف من إعطاء الخلافة صلاحيات ومهمات فوق ما تحتمل، فهو توهُّمٌ لأنَّ منصب الخلافة لا يملك صلاحيَّات خارقة، أو غير محددة بضوابط شرعيَّة، وإن كان الخليفة في الحقيقة يملك صلاحيات كبيرة، ولكنَّها من مسؤوليَّاته قبل أن تكون من امتيازاته، ولأجلِها كانت ساعةُ عدلٍ من إمام عادل خيراً من عبادة ستِّين سنة قال - صلى الله عليه وسلم -: «يوم من إمام عادل أفضل من عبادة ستِّين سنة» (٢) ولأجلِها كانت مسؤوليتُه عظيمةً أمام الله إذا لم يحكم بالعدل حيث تَعُودُ عليه الخلافةُ حينها بالنَّدامة، قال - صلى الله عليه وسلم -: «ما من رجل يلي أمر عشرة فما فوق ذلك، إلا أتى اللهَ عز وجل مغلولاً يوم القيامة، يده إلى عنقه، فكَّه برُّه أو أوبقه إثْمُه، أوَّلُها ملامة وأوسطها ندامة، وآخرها خزي يوم القيامة» (٣).

بقي أن أشير إلى مبدأ الرقابة على السُّلطة - والذي يرتبط بمبدأ السِّيادة- في مدى تطبيقها لأمر الله بالشَّكل الحسن، فعلى قولِ مَنْ قال إن السِّيادة للأمَّة؛ تكون عندها هي الرقيب على الدولة، وهذا من الناحية العملية لا يحدث لخوف أفراد الأمَّة من سطوة الدولة، لاختلال موازين القوى بينهما. وأمَّا القول: إنَّ السِّيادة هي للشَّريعة، أي لله عز وجل، فعندها تكون الرقابة أقوى وأكثر فاعليَّة إِنْ


(١) وانظر: خصائص التشريع الإسلامي للدكتور فتحي الدريني: ص ١٨٤.
(٢) قال في مجمع الزوائد في ٥/ ١٩٧: «رواه الطبراني في الكبير والأوسط وفيه سعد أبو غيلان الشيباني ولم أعرفه وبقية رجاله ثقات»، وقال في: ٦/ ٢٦٣ باب إقامة الحدود: «رواه الطبراني في الأوسط ولا يروى عن ابن عباس إلا بهذا الإسناد وفيه زريق بن السخت لم أعرفه». وانظر المعجم الكبير للطبراني: ١١/ ٣٣٧ رقم (١١٩٣٢) عن ابن عباس. والمعجم الأوسط للطبراني: ٥/ ٩٢ رقم (٤٧٦٥) عن ابن عباس. وسنن البيهقي الكبرى: ٨/ ١٦٢ كتاب قتال أهل البغي، باب فضل الإمام العادل، بدون رقم، عن ابن عباس. وشعب الإيمان للبيهقي: ٦/ ١٩ رقم (٧٣٧٩ مكرر) عن ابن عباس.
(٣) رواه أحمد في مسنده: ٣٦/ ٦٣٥ رقم (٢٢٣٠٠) عن أبي أمامة قال محقق الكتاب: صحيح لغيره لاضطراب إسماعيل بن عياش فيه و: ١٥/ ٣٥١ - ٣٥٢ رقم (٩٥٧٣) عن أبي هريرة قال محقق الكتاب: إسناده قوي. المعجم الكبير للطبراني: ٨/ ١٧٣ رقم (٧٧٢٤) عن أبي أمامة. وقال الهيثمي في مجمع الزوائد ٥/ ٢٠٥ كتاب الخلافة باب فيمن ولي شيئاً: «رواه أحمد والطبراني وفيه يزيد بن أبي مالك وثقه ابن حبان وغيره وبقية رجاله ثقات». وروي بلفظ ليس فيه الجملة الأخيرة عند الطبراني في الأوسط: ٦/ ٢١٦ رقم (٦٢٢٥). وانظر خصائص التشريع الإسلامي للدكتور الدريني: ص ٨١ حيث جعل قيام الأمة باختيار الخليفة مُؤْذناً بسيادتها في التولية، ولم يقل إن هذا دليل على سيادتها المطلقة وأنها صاحبة السلطات التي ينالها الخليفة بعد توليه.

<<  <   >  >>