وَالْأَرْضِوَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا (الْإِنْسَانُإِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا} الأحزاب/٧٢. فيكون معنى الخليفة - بالنظر إلى المعاني الثلاثة التي تحويها الكلمة- هو آخِرُ مَنْ مُكِّن من تلك الصفات ليستخدمها في مهمته التي كلَّفه الله بها من الخلافة.
إنَّ الاستقراء لاستعمالات كلمة (الخليفة) وما يرادفها في كتاب الله، يوضح أنَّ بعض تلك الاستعمالات إنَّما تشير إلى الخلافة بمعنى الرئاسة والخلافة العظمى مثل قوله - عز وجل -: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ} النور/٥٥، بينما يشير بعضها الآخر إلى التكليف العام لكل الناس كقوله - عز وجل -: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ} الأنعام/١٦٥. وكقوله - عز وجل -: {ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ} يونس/١٤. ويجمع بين الاستعمالين أنَّ الكلَّ مستخلفٌ ولكن تختلف درجة الاستخلاف، وهذا ما تشير إليه آية الأنعام السابقة من أنَّ الله رفع الناس درجات بعضهم فوق بعض , وبالتالي فإنَّ درجة استخلافهم تختلف تبعاً لدرجاتهم.
وإذا قلتُ إنَّ الكلَّ مُستخلفّ فهذا يشمل الكفار أيضاً، فهُم قد مُلَّكوا وسائل الاستخلاف وطُلب منهم استخدامها في موضوعها الذي من أجله مُلِّكوها ولكنهم استخدموها في اتجاه معاكس، أو لم يستخدموها أصلاً.
والكفَّار والفسَّاق إِنْ تنصَّلوا من القيام بواجبهم أصبحوا جزءاً من الامتحان والفتنة التي يتعرض لها الصالحون والمؤمنون، كما أن الصالحين أصبحوا حجةً عليهم. ولا يخفى أنَّ هذا التفسير يميل إلى ملاحظة معنى النيابة التي تشير إليها كلمة خليفة، وبهذا يندفع اعتراض من رفض تسمية الإنسان أو الخليفة بأنه خليفة عن الله ظانَّاً أنَّ الخلافة إنَّما تكون عن الميت أو الغائب والله تبارك وتعالى ليس كذلك (١)، أو ظانَّاً بأنَّ الخلافة تكون بأن يَحلَّ المستخلَف مكان
(١) وهو رأي الخطيب الشربيني والنووي. انظر: مغني المحتاج للخطيب الشريني: ٤/ ١٣٢. وقد أشرت إلى = = هذا الرأي وإلى من قاله عند الحديث عمن تكون الخلافة. انظر مراجع حاشية (٤) من ص (٥٥) في هذه الأطروحة.