للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

علي العباسي في بني أمية بالأمان، وأمرهم أن يغدوا إليه لأخذ العطاء، فاستجاب له من بني أمية نحو ثمانين رجلاً توجهوا إليه وجلسوا في مجلسه، فأمر عبد الله بقتلهم جميعاً، فضرب الجند رؤوسهم بالعمد حتى أتوا عليهم في غير رحمة، فلما قُتلوا دعا عبد الله بالغداء وأمر ببسط فبسطت عليهم وجلس يأكل فوقهم وهم يضطربون تحته، فلما فرغ من الأكل قال: ما أعلمني أكلت أكلة قط أهنأ ولا أطيب لنفسي منها، ثم أمر بهم فَجرُّوا من أرجلهم ودفنوا جميعاً في بئر حُفِرت لهم.

وأنشد شاعر بني العباس في ذلك قائلاً:

أصبح الملك ثابت الآساس ... بالبهاليل من بني العباس

طلبوا وتر هاشم فشفوها ... بعد مَيْل من الزمان وياس

لا تُقيلنَّ عبد شمس عثارا ... واقطعن كل رقلة (١) وغراس

ذلُها أظهر التوددَ منها ... وبها منكم كحر المواسي

ولقد غاظني وغاظ سوائي ... قربهم من نمارق وكراسي

أنزلوها بحيث أنزلها اللـ ... ـه بدار الهوان والإتعاس

واذكروا مصرع الحسين وزيداً ... وقتيلاً بجانب المهراس

والقتيل الذي بحران أضحى ... ثاوياً بين غربة وتناسي (٢)

وهكذا كانت الفترة الأولى من الحكم العباسي حافلة بأعمال الانتقام وإراقة الدماء والقسوة الشديدة التي ينكرها الدين، ويأباها الخلق الكريم، وقد أُثر عن أبي العباس أنه قال: «ما أبالي متى طرقني الموت، فقد قتلت بالحسين وبني أبيه من بني أمية مائتين، وأحرقت شلو هشام بابن عمي زيد بن علي، وقتلت مروان بأخي إبراهيم» (٣).


(١) الرقْلة: هي النَخْلة الطَويلة. انظر: لسان العرب لابن منظور: ١١/ ٢٩٣ مادة (رقل). النهاية في غريب الحديث لابن الأثير: ٢/ ٢٥٣.
(٢) الكامل لابن الأثير: ٥/ ٤٣٠. الفخري في الآداب السلطانية: ص ١٥١. البداية والنهاية لابن كثير: ١٣/ ٢٥٩ - ٢٦٠.
(٣) الدولة العباسية للشيخ محمد الخضري: ص ٥٩.

<<  <   >  >>