ولا أنكر صعوبة هذا العمل، فالجهود المبذولة للحيلولة دون هذا الهدف ضخمة ومتواصلة وخلفها مؤسسات اقتصادية ضخمة وشخصيات سياسية واقتصادية كبيرة، ولكننا نستطيع أن نتفوق عليهم رغم قوتهم إذا انطلقنا من القاعدة الشعبية بالتوجه للتجار والصناعيين المسلمين مباشرة، وإقناعهم بنبل هذه القضية وضرورتها، حتى ولو كان في هذا التوجه بعض الخسائر من قِبلهم، فهذا نوع من الجهاد لا يقل أهمية عن الجهاد بالسيف، وتفعيل تعاليم ديننا الحنيف لتقوية جانب التعاون الاقتصادي بين الدول الإسلامية، والتجار المسلمين مهم جداً، فلا يستطيع أحد أن يمنع تاجراً من أن يستورد من بلد دون آخر، أو من جهة دون أخرى، والتطور في مجال الاتصالات يساعد في تسريع هذا التعاون الإسلامي الاقتصادي.
والمعول في هذا التعاون على الأفراد لا على الحكومات التي لها ظروفها وحساباتها المختلفة، فالمطلوب هو إيجاد واقع اقتصادي على الأرض يحقق التقارب بين الشعوب الإسلامية المختلفة (١) والذي بدوره يدعم - مستقبلاً - التحرك باتجاه الوحدة الإسلامية.
ويجب فصل المشاكل الأخرى الموجودة بين الدول الإسلامية عن التعاون الاقتصادي، وإلا فإننا ندور في حلقة مفرغة، فالابتعاد عن النعرات الطائفية أو العرقية مطلوب بقوة، كما أن التوازن في التعاملات التجارية مطلوب أيضاً، فلا يجوز أن تتحول الجهود المبذولة للتقارب الاقتصادي بيد بلد وآخر إلى اختلال في الميزان التجاري بينهما لصالح دولة دون أخرى. فالفائدة ينبغي أن تعود على البلدين لا على بلد واحد فقط.
وهذا التعاون الاقتصادي ينبغي أن يكون ضمن إطار التعاليم الإسلامية السمحة مثل الإيثار، يقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن الأشعريين إذا أرملوا في الغزو أو قلَّ طعام عيالهم بالمدينة جمعوا ما كان عندهم في ثوب واحد ثم اقتسموه بينهم في
(١) وقد سبق أن كان المدخلُ الاقتصادي والتجارة السببَ وراء إسلام أكبر دولة إسلامية على وجه الأرض اليوم، وهي إندونيسيا.