للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إذا كان لهم إمام يأمرهم بالواجب، وينهاهم عن القبيح، كانوا أقرب إلى فعل المأمور وترك المحظور، لأن المكلِّف - وهو الله - إذا علم أن المكلَّف لا يطيع إلا باللُّطف وأراد الإطاعة ولم يفعل اللُّطف كان ناقضاً لغرضه، ونقض الغرض قبيح، فعَدَمُ اللُّطف قبيح، وما قَبُحَ عدمُه وجَب وجودُه. وقالوا: لو لم يكن الإمام، يلزم اختلالُ نظام العالم. وبهذا الدليل أثبتوا وجوب النبوة أيضاً فتأمل (١).

وردَّ عليهم ابن تيمية والعضد الإيجي والرازي وغيرهم بالقول: كيف يكون الإمام لطفاً، وهذا المهدي المنتظر - الإمام الثاني عشر - لم يره أحد ولم يُسمع له بخبر، أو يُعرَف شيءٌ من كلامه، فأيُّ فائدة في الإيمان به، وأيُّ لطف يحصل لنا بهذا!! ثم كيف يجوز أن يكلفنا الله بطاعة شخص، ونحن لا نعلم ما يأمرنا به ولا ما ينهانا عنه، ولا طريق لنا إلى معرفة ذلك بوجه من الوجوه، وأما سائر الإثني عشر سوى علي - رضي الله عنه -، فكانت المنفعة بأحدهم كالمنفعة بأمثاله من أهل العلم والدين، من جنس تعليم العلم والتحديث والإفتاء ونحو ذلك، وأما المنفعة المطلوبة من الأئمة ذوي السلطان والسيف، فلم تحصل لواحد منهم، فتبين أن ما ذكروه من اللُّطف والمصلحة بالأئمة تلبيس محض. ومن المعلوم بالضرورة أن حال اللُّطف والمصلحة التي كان المؤمنون فيها زمن الخلفاء الثلاثة أعظم من اللُّطف والمصلحة الذي كان في خلافة علي - رضي الله عنه - زمن القتال والفتنة والافتراق، فإذا لم يوجد من يدَّعي الإماميةُ فيه أنَّه معصوم، وحصل له سلطان بمبايعة ذي الشوكة إلا علي - رضي الله عنه - وحده، وكانت مصلحة المكلَّفين واللُّطف الذي حصل لهم في دينهم ودنياهم في ذلك الزمان، أقلَّ منه في زمن الخلفاء الثلاثة، علم بالضرورة أن ما يدعونه من اللُّطف والمصلحة الحاصلة بالأئمة المعصومين باطل قطعاً (٢).

فالنبوة والإمامة ليستا واجبتين على الله، بل هما من مِنن الله - عز وجل -، وهذا هو صريح قوله - عز وجل -: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ


(١) وانظر لمعرفة ردود الشِّيعة على الاعتراضات على مسألة اللُّطف: الحاشية على إلهيات الشرح الجديد للتجريد للأردبيلي: ٣/ ١٩٩. ونقل بعضَ ردودِهم التفتازاني في شرح المقاصد: ٥/ ٢٤٠ - ٢٤٢. وابنُ تيمية في منهاج السنة النبوية: ٤/ ٩ - ١٣.
(٢) منهاج السنة النبوية لابن تيمية: ١/ ٦٤، ٨٢. شرح المواقف للجرجاني: ٨/ ٣٤٨. شرح العقائد النسفية للتفتازاني: ص ١٧٥ - ١٧٦. وانظر في الرد على مسألة اللُّطف: الأربعين للرازي: ٢/ ٢٥٧ - ٢٦٣.

<<  <   >  >>