وأما معرفة المعيار الذي على أساسه فصل الرسول - صلى الله عليه وسلم - بينهما فيحتاج للاجتهاد، ولعل هذا المعيار يشمل طريقة تولي الخليفة للحكم، فكل الخلفاء الراشدين تولوا الحكم بالشورى، فكانت خلافتهم خلافة نبوة، بينما تولاها معاوية - رضي الله عنه - بالقوة، فخرجت خلافته عن الخلافة الكاملة إلى الخلافة الناقصة أو الملك، كما يشمل هذا المعيارُ الحكمَ بالعدل، فعمرُ بن عبد العزيز - وإن كان من بني أمية الذين توارثوا الحكم، ولم يأخذوه بالشورى والانتخاب - فإنه اعتُبر من الخلفاء الراشدين، لأنه سار على طريقتهم في الحكم بالعدل، فالمعيار ذو شقين: الأول: تولي الحكم بالشورى والانتخاب أو الاستخلاف، والثاني: الحكم بالعدل. فإذا فقد أحدهما خرجت الخلافة عن خلافة النبوة (١).
ولا يشترط أن تتم سيطرة الخليفة على كامل أراضي المسلمين، حتى يعتبر خليفةً على منهاج النبوة، إذا سعى إلى ذلك ولم يتمكن منه، لأنَّ سيدنا علياً - رضي الله عنه - لم يستطع فرض نفوذه على بلاد الشام وهو لا شك من الخلفاء الراشدين.
إذاً هناك خلافتان؛ خلافةٌ كاملة أو خلافة نبوة، وخلافةٌ ناقصة أو مُلك، والخلافة الكاملة انتهت بمرور ثلاثين سنة، والخلافة الناقصة جاءت بعد ذلك وإن
(١) ولا يقال إن عمر بن عبد العزيز لم يتول الخلافة بالشورى والانتخاب لأنه تولى الخلافة بعهدٍ ممن سبقه كما تولاها جده عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - بعهد من أبي بكر - رضي الله عنه -، قال الدكتور وهبة الزحيلي: «خلع عمر نفسه بعد أن قرئ كتاب العهد له من سليمان بن عبد الملك على الناس، فصعد المنبر وقال: أيها الناس، إني قد ابتليت بهذا الأمر من غير رأي مني ولا طلبة له ولا مشورة من المسلمين، وإني قد خلعت ما في أعناقكم من بيعتي، فاختاروا لأنفسكم. ونظراً لهذا الموقف المشرف، وبسبب عدالته في الحكم كان خامس الخلفاء الراشدين» الفقه الإسلامي وأدلته للدكتور وهبة الزحيلي: ٨/ ٣٠١. وانظر: شرح العقائد النسفية للتفتازاني: ص ١٧١. وفقه الخلافة للسنهوري: ص ٢٦٣. وقد قرأت مؤخراً قولاً لأبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - ينحو مثل هذا النحو في طبقات ابن سعد: ٤/ ١١٣ حيث يقول: «إن الإمرة ما اؤتمر فيها وإن الملك ما غلب عليه بالسيف».