- ثم قال - رحمه الله -:
وإن أعجزه كبر أو مرض لا يرجى برؤه: لزمه أن يقيم من يحج ويعتمر عنه من حيث وجبا.
معنى هذه العبارة: أن الإنسان إذا اكتملت فيه جميع شروط الوجوب السابقة - وهي خمسة إلا أنه لا يستطيع لكونه مريضاً أو لكونه شيخاً كبيراً لا يستطيع أن يحج ففي هذه الحالة يجب عليه وجوباً أن ينيب من يحج عنه الفريضة.
وهذا الذي يسميه الفقهاء: المستطيع بغيره، فهو لا يستطيع بنفسه لكنه يستطيع بغيره.
ويشترط لوجوب الإنابة على هذا الشخص: أن يجد مالاً ونائباً وإلا لم يجب عليه أن ينيب.
• فإن وجد نائباً ولم يجد مالاً: لم يجب عليه الحج بالإجماع.
• وإن وجد مالاً ولم يجد نائباً: لم يجب عليه الحج.
لكن اختلفوا في هذه المسألة:
هل إذا وجد المال ولم يجد النائب تخلف في حقه شرط الوجوب أو شرط الأداء؟
والفرق بينهما:
- أن شرط الوجوب إذا تخلف لم يجب في ذمته شيء أصلاً.
- بينما شرط الأداء تكون العبادة واجبة في ذمته لكن لا يجب عليه أن يؤديها الآن، فإن مات وجب على الورثة أن يخرجوا من ماله من يحج عنه. يعني تبقى في ذمته.
والصواب إن شاء الله: أن تخلف النائب أو عدم وجود النائب يعتبر إخلال بشرط الوجوب لا بشرط الأداء: لأنه يصدق عليه أنه لا يستطيع.
بناء عليه: من مات وهذه حاله فلا يجب على الورثة أن يخرجوا من التركة من يحج عنه لأنه لم يجب عليه أصلاً.
وعلى القول الثاني: يثبت في ذمته وجوب الحج فإن مات قبل أن يتمكن من وجود النائب وجب على الورثة أن يقيموا من يحج عنه.
= القول الثاني: - في أصل المسألة - أن من لم يستطع بنفسه واستطاع بماله لا يجب عليه أن ينيب ولو ملك مالاً كثيراً. وإلى هذا ذهب الإمام مالك - رحمه الله -.
واستدل:
- بقوله تعالى: {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا} [آل عمران/٩٧]. وهذا لا يستطيع إليه سبيلاً. فهو بنفسه لا يستطيع إليه سبيلاً فسقط الوجوب.
والراجح والله أعلم مع الجمهور وهو القول الأول:
- لما ثبت في الصحيح أن رجلاً سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: إن فريضة الله أدركت أبي شيخاً كبيراً لا يستطيع الثبوت على الراحلة. أفأحج عنه؟ قال: (حج عنه).