وقول المؤلف - رحمه الله -: (وأفضل الأنساك التمتع) دليل على أنه يجوز للإنسان إذا أراد أن يحرم أن يحرم بأي من الأنساك الثلاثة فإن أراد أن يتمتع يتمتع وإن أراد القران أو الإفراد فعل.
وهذه المسألة فيها خلاف بين أهل العلم:
= فالقول الأول: هو ما ذهب إليه المؤلف - رحمه الله - وهو مذهب الأئمة الأربعة وجمهور الفقهاء وعامة التابعين والفقهاء كلهم طبقة عن طبقة: أنه يجوز للإنسان أن يتخير ما شاء من الأنساك.
واستدلوا على هذا:
- بحديث عائشة - رضي الله عنها - أنها قالت: خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فمنا من أهل بعمرة ومنا من أهل بعمرة وحج وأهل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بحج.
- وذكر جابر - رضي الله عنه - في الصحيح كما ذكرت عائشة - رضي الله عنها - تماماً.
- وذكر ابن عباس - رضي الله عنهما - أيضاً في الصحيح كما ذكرت عائشة تماماً.
فدلت هذه الأحاديث الثلاثة على أن من أراد الحج فهو مخير بين هذه الأنساك الثلاثة.
= والقول الثاني: وإليه ذهب ثلاثة على رأسهم الصحابي الجليل الفقيه الكبير - رضي الله عنه -: ابن عباس ثم تابعه ابن حزم ثم تابعهم ابن القيم.
فهؤلاء يرون أنه يجب على من أراد الحج أن يحرم متمتعاً.
واستدلوا - رحمهم الله -:
- بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما ساق الهدي ووصل إلى مكة أمر جميع الصحابة الذين لم يسوقوا الهدي أن يحلوا الحج وأن يقلبوه إلى عمرة ويتمتعوا.
- كما أنه - صلى الله عليه وسلم - تحسر وتمنى أنه لم يسق الهدي لكي يحرم متمتعاً.
فقالوا هذا أمر من النبي - صلى الله عليه وسلم - بأن يحرم الإنسان بالعمرة متمتعاً والأمر يدل على الوجوب بل أن هذا الأمر أكد بالغضب وتعنيف الصحابة من قبل النبي - صلى الله عليه وسلم -.
وهذا القول - الثاني - قول فيما يظهر لي ضعيف جداً وهو قول كما قال الشيخ الشنقيطي - رحمه الله -: (قول مهجور) لم يعمل به ربما من عهد الصحابة إلى اليوم إلا من قبل قائليه.
كيف نقول أنه يجب على الإنسان أن يحرم بالتمتع وعروة بن الزبير - رضي الله عنه - يقول: إن الخلفاء الثلاثة والمهاجرين والأنصار كانوا يحجون مفردين؟