إذا حصر البلد العدو وحضر لقتالها فإنه يحرم الانصراف ويصبح الجهاد من فروض الأعيان، وهذا محل إجماع بين الفقهاء، قال الفقهاء: والقتال حينئذ هو أعظم واجبات صد العدو. وهو أعظم أنواع دفع الصائل لأن تمكين الأعداء من دخول البلاد يعني الفساد التام وتعذر إقامة الحدود والشعائر ومفاسده لا تحصى ولا تعد. - مفاسد تمكين الأعداء من دخول بلاد المسلمين لا تحصى ولا تعد - ولذلك جعله الفقهاء من أعظم صور دفع الصائل.
-
ثم قال - رحمه الله -:
أو استنفره الإمام.
الاستنفار هو: طلب الخروج للجهاد، فإذا طلب الإمام من فئة أو من شخص معين الخروج للقتال وجب على جميع الذين طلب منهم الخروج أن يخرجوا وجوباً عينياً. ومن تخلف منهم فقد ترك واجباً عينياً وهو آثم.
والدليل على ذلك:
- - قوله - صلى الله عليه وسلم -: (لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية فإذا استنفرتم فانفروا).
فهذه ثلاث صور يصبح الجهاد فيها واجباً عينياً ويضاف إليها:
- صورة رابعة: وهي إذا احتيج إلى شخص معين للخروج. كأن يكون ماهراً في الرماية أو في استخدام آلات الحرب أو في التخطيط ولو لم يكن شجاعاً في المقاتلة. المهم إذا احتيج إلى شخص معين لأي سبب صار الجهاد في حقه واجباً عينياً.
فتحصل عندنا الآن أربع صور يصبح الجهاد فيها واجباً عينياً.
- ثم قال - رحمه الله -:
وتمام الرباط: أربعون يوماً.
الرباط هو: ملازمة الثغر للجهاد والدفع عن المسلمين.
والثغر: هو الموضع المخوف الذي تحيط به الأعداء.
إذاً الثغور ليست هي الحدود ولكن الثغور هي الأماكن التي يخشى من دخول الأعداء إليها.
والمرابطة مشروعة بإجماع العلماء. وهو من أعظم الطاعات والقربات.
- لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها).
وهذا الحديث يبين بوضوح وجلاء حقارة الدنيا في نظر الشارع، فإن رباط يوم أربع وعشرين ساعة في مكان واحد مخوف أفضل من الدنيا وما عليها.
وقوله: (من الدنيا). يشمل من آدم - عليه السلام - إلى قيام الساعة.
و: (ما عليها) يشمل جميع أنواع ملاذ الدنيا.
فهذا الحديث من أصح الأحاديث في حقارة الدنيا في نظر الشارع ويجب أن يكون نظر المسلم تبعاً لنظر الشارع.