وفي هذه المسألة عندي تردد كثير جداً وتوقف. وسبب التوقف: أنا نلمس من كلام كثير من أهل العلم عدم توسيع مفهوم البيع على بيع أخيه، لا يريدون توسيع هذا المعنى وإدخال صور كثيرة وإنما مقصود النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذا: العقد المعين، أما ما بعد انتهاء العقد فلا يدخل في هذا الحديث النبوي وقلة من أهل العلم من يوسع مفهوم هذا الحديث وهذا البيع المنهي عنه.
فلهذا وقع عندي في هذه المسألة - في الحقيقة - تردد. لأن القول الثاني أيضاً وجيه لأنه في الغالب سيكون بين البائع والمشتري الأول شقاق ونزاع ومحاولة لإنهاء العقد ومحاولة لفسخ العقد ودخول في متاهات الشعور بأنه غلب في العقد الأول.
فبين المعنيين يقع الإنسان في تردد في الحقيقة وإشكال. فليس عندي فيها قولاً راجحاً.
- ثم قال - رحمه الله -:
- ويبطل العقد فيهما.
يعني: أنه مع كون بيع الإنسان على بيع أخيه محرم، أيضاً العقد باطل.
والمقصود ببطلان العقد هنا في كلام المؤلف - رحمه الله - يعني: العقد الثاني. أما العقد الأول فلا إشكال فيه.
إذاً: مقصودهم بالبطلان ينصرف إلى العقد الثاني.
دليل البطلان:
- أن هذا العقد الثاني: منهي عنه، والنهي يقتضي الفساد.
- ولأن في تصحيح العقد إمرار وتسويغ لبيع الإنسان على بيع أخيه.
= القول الثاني: أن العقد في بيع الإنسان على بيع أخيه: صحيح ونافذ مع التحريم والإثم، إلا أن العقد صحيح.
واستدل هؤلاء:
- بأن النهي لا ينصرف إلى العقد وإنما يقصد بالنهي أن يبيع على بيع أخيه يعني: أن يعرض على عرض أخيه وهذا الأمر إنما هو قبل وقوع العقد، فوقوع العقد صار بعد العمل منهي عنه. فالنهي ينصرف إلى هذا العرض لا إلى ذات العقد ولذلك فليس عندنا الآن عقد منهي عنه حتى يؤدي النهي إلى الفساد.
والصواب: أن العقد الثاني باطل. لأن أدلة القول الأول قوية ولأن قاعدة الشارع أن ما أدى إلى محرم فهو محرم.
وكيف نمنع ونحرم أن يبيع على بيع أخيه ثم نصحح العقد فبين تصحيح العقد والتحريم مناقضة ومنافاة.
فإذاً: مذهب الحنابلة في هذه المسألة هو الصحيح إن شاء الله.
- ثم قال - رحمه الله -:
- ومن باع ربوياً بنسيئة واعتاض عن ثمنه ما لا يباع به نسيئة.