ففي الحقيقة تعجبت من هذا القول ومن وجهى نظري أن مذهب الحنابلة لاشك أنه أرجح وأضبط وأقرب لقواعد البعد عن الشقاق في المعاملات المالية. وأي كفاية في المشاهدة.
- ثم قال - رحمه الله -:
- وإن قبض البعض ثم افترقا: بطل فيما عداه.
إذا قبض البعض ثم قبل أن يقبض الباقي افترقا صح في المقبوض وبطل في الذي لم يقبض.
وهذا مبني على مسألة سابقة تقدمت معنا وهي مسألة تفريق الصفقة.
فتقدم معنا أن تفريق الصفقة صحيح وأنه على مذهب الحنابلة يجوز أن يفرق الصفقة ومعنى تفريق الصفقة أن يصح العقد في بعض السلع ويبطل في بعضها. كذلك هنا نقول: يصح في القبوض ويبطل فيما لم يقبض.
- ثم قال - رحمه الله -:
- وإن أسلم في جنس إلى أجلين أو عكسه: صح إن بين كل جنس وثمنه وقسط كل أجل.
يقول - رحمه الله -: (إن أسلم في جنس إلى أجلين).
صورة المسألة: أن يسلم في خمسين صاع من التمر يسلم بعضه في محرم وبعضه في رجب.
فهو أسلم في جنس إلى أجلين. فهذه الصورة جائزة عند الحنابلة.
واستدلوا على هذا:
- بجنس ما استدلوا به في المسألة السابقة وهي أنه إذا جاز إلى أجل جاز إلى أجلين وثلاثة وأربعة. والنبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: إلى أجل معلوم. فثبت جواز الأجل فيثبت جواز الأجلين.
(((الآذان))).
لكن يصح لجواز السلم في جنس إلى أجلين أن يبين أمرين:
- الأول: قسط كل أجل.
- والثاني: ثمن كل قسط.
فيقول: أسلمت إليك في خمسين أو في مائة صاع من التمر خمسين منها في محرم وخمسين منها في صفر. قيمة الخمسين الأولى كذا من المئة ريال وقيمة الخمسين الثانية كذا من المائة ريال فلابد أن يبين قسط كل أجل ويبين ثمن كل قسط.
واستدل الحنابلة على هذا:
- بأن الأجل الأبعد له قسط أكبر من الثمن. فيجب أن يبين حتى إذا فسخ العقد أمكن الرجوع بكل قسط بقيمته.
= القول الثاني: أنه لا يشترط أن يبين لا قسط ولا قيمة كل أجل. فإن تعذر إيفاء بعض هذا الجنس في أحد الأجلين سقط من الثمن بقدر ما يسقط من المسلم فيه. فإذا افترضنا أنه لم يتمكن من تسليم نصف المسلم فيه فإنه يسقط من الثمن النصف أيضاً. وإلى هذا يميل ابن قدامة - رحمه الله -.