وفهم من هذا: أن الإنسان إذا طلب منه قرض وامتنع فإنه لم يترك واجباً ولا إثم عليه.
وهذا صحيح بالإجماع.
فالقرض مندوب وليس بواجب. ولا إثم ولا تثريب على من امتنع من الإقراض، إلا أن الإقراض مندوب ومحبوب إلى الشارع.
والدليل على أن الإقراض محبوب:
- حديث ابن مسعود - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (ما من مسلم يقرض مسلماً مرتين إلا كان كصدقة مرة). وهذا الحديث فيه خلاف في صحته.
والأقرب والله أعلم: أنه موقوف على ابن مسعود وممن رجح الوقف الإمام الدارقطني والبيهقي. لكن مع ذلك أقول أن هذا الحديث له حكم الرفع وأن ابن مسعود - رضي الله عنه - لا يقول مثل هذا الحكم التوقيفي إلا عن خبر عن النبي - صلى الله عليه وسلم -.
فإذاً وإن كان موقوفاً فله حكم الرفع.
واستدلوا على أن القرض مندوب بدليل آخر:
- وهو: أن من يقترض فإنه غالباً محتاج لأنه لن يشغل ذمته إلا وهو محتاج.
واستدلوا على أنه مندوب:
- أنه خير من الصدقة من وجه وهو: أنه يلحق طالب الصدقة غضاضة ولا يلحق طالب الدين أو القرض غضاضة.
* * مسألة/ طلب القرض ليس من المسألة المكروهة. كيف وقد اقترض النبي - صلى الله عليه وسلم -.
- ثم قال - رحمه الله -:
- وما يصح بيعه: صح قرضه.
= ذهب الحنابلة والظاهرية إلى أنه كل ما صح بيعه صح قرضه.
ونحن نتحدث الآن عن موضوع مهم وهو ما هي الأشياء التي يجوز أن تقرض.
إذاً الحنابلة والظاهرية هم أوسع المذاهب: فهم يرون أن كل عين يجوز أن تباع يجوز أن تقرض ولو لم يجز السلم فيها.
= القول الثاني في هذه المسألة المهمة: أنه لا يجوز إلا قرض ما يجوز السلم فيه.
واستدلوا على هذا:
- بأن ما لا يجوز السلم فيه لا يمكن أن يضبط فيكون الوفاء به صعب.
وإلى هذا ذهب الشافعية. لكن الشافعية اضطروا أن يستثنوا بعض الأشياء: فقالوا: يجوز فيها القرض ولا يجوز فيها السلم. وهذا الاستثناء يشير إلى ضعف في هذا القول.
= والقول الثالث: وهو أضيق الأقوال: أنه لا يجوز قرض إلا المثليات دون القيميات. ستأتينا ما هي المثليات والقيميات. وهذا القول ضيق جداً وضيق بمعنى الكلمة.
واستدلوا على هذا: