ومعنى الاشتقاق واضح: لأن المودع يترك الوديعة عند المودع.
وأما في الشرع فهي عقد بالتبرع بحفظ مال الغير بغير عوض ولا تصرف فيه.
بعض الحنابلة لا يذكر في التعريف: (ولا تصرف فيه) وبعضهم يذكرها.
وأنا ذكرتها لأنها من وجهة نظري تدخل في صميم معنى الوديعة.
لأنه من صميم معناها أن لا يتصرف المودع في الوديعة بأي نوع من التصرفات إلا الحفظ كما سيأتينا.
وهي: أي الوديعة: مشروعة بالكتاب والسنة والإجماع.
ـ أما الكتاب: فقوله تعالى: (إن الله يأمركم أن تؤدون الأمانات إلى أهلها).
ـ وأما السنة: فما يروى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (أد الأمانة إلى من أئتمنك ولا تخن من خانك).
هذا الحديث فيه كلام في ثبوته ولكن معناه لاشك أنه صحيح والحديث من عمد شيخ الاسلام في تقرير ( ... ) من المسائل.
ـ وأما الإجماع فهو محكي من أكثر من واحد من أهل العلم: أنه مشروع.
* * مسألة/ الوديعة في الحقيقة يشترط لها ما يشترط في الوكالة لأنها مبنية على الوكالة.
فالشروط والأركان التي تقدمت معنا في الوكالة تشترط أيضاً هنا.
يقول - رحمه الله -: مبتدئأً بأحكام الوديعة مباشرة وكما قلت أحياناً يعرف تعريفاً صطلاحياً وأحياناً لا يعرف.
ففي هذا الباب ترك التعريف.
إما لوضوحه أو لسبب آخر.
- يقول - رحمه الله -:
- إذا تلفت من بين ماله ولم يتعد ولم يفرط: لم يضمن.
إذا تلفت الوديعة بغير تفريط ولا تعدي فإنه لا يضمن. ولو أنها تلفت هي فقط من بين سائر ماله.
استدلوا على هذا: - بأن الله تعالى وصف ما يكون عند الإنسان بأنه أمانة: (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات).
والأمانة في الشرع لا تجتمع مع الضمان لأن الضمان ينافي الأمانة فحيث وجدت الأمانة انتغى الضمان ولذلك قالوا: لاضمان.
= والقول الثاني: أنه لا يضمن إذا تلفت بغير تعد ولا تفريط إلا إذا تلفت هي من وسط ماله. بمعنى: إذا تلفت الوديعة وبقي ماله سليماً حينئذ نضمنه.
واستدلوا على هذا بأمرين:
- الأمر الأول: وجود الشبهة. إذ لماذا لم يتسلط سبب الاتلاف إلا على الوديعة دون ماله؟
- الثاني: أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ضمن أنس وديعة تلفت من بين ماله.