فلما كان للإمام هذا النظر صار من حقوقه أن يقطع إقطاع الإرفاق.
- ثم قال - رحمه الله -:
- ومن غير إقطاع: لمن سبق بالجلوس ما بقي قماشه فيها وإن طال.
(ومن غير إقطاع). مقصود المؤلف - رحمه الله - أنه كما يجوز للإنسان أن يجلس في المكان الذي أقطعه إياه الإمام كذلك له أن يجلس ولو لم يقطعه الإمام في الأماكن الواسعة التي لا تضر بالناس.
ويكون أحق بهذا المكان ما دام متاعه فيه.
فإن رفع المتاع صار غيره له الحق في الجلوس في المكان.
إذاً: هذه المسألة الأخيرة: هي أن للإنسان أن يجلس وينتفع في المكان العام ولو بلا إقطاع من الإمام بشرط أن لا يكون في جلوسه أذىً للناس.
وهو أحق بهذا المكان ما لم يرفع متاعه.
وقول المؤلف - رحمه الله -: (ما لم يرفع متاعه). هذا هو الفرق بين انتفاع الإنسان بالمكان بسبب إقطاع الإمام وبين انتفاع الإنسان بسبب أنه جلس بلا إقطاع.
والفرق هو: أنه إذا أقطع الإمام رجلاً من الناس فإنه أحق بهذ المكان ولو قام عنه ولو رفع متاعه. فهو أحق به لأن الإمام أقطعه إياه.
أما إذا جلس هو بلا إقطاع فهو أحق بالمكان لكن ما لم يرفع متاعه.
ثم أشار المؤلف - رحمه الله - إلى مسألة أخيره وهي: قوله - رحمه الله -: (وإن طال). يعني: وإن طال بقائه في هذا المجلس ولو لمدة أيام فإنه يكون أحق بهذا المكان من غيره ولو طال.
واستدل أصحاب هذا القول: أنه أحق بغير وإن طال:
- بقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو أحق به).
وهذا الحديث صحيح.
وهذا الرجل سبق إلى هذا المكان فهو أحق به من غيره ولو طال.
= والقول الثاني: وهو المذهب: فالمؤلف - رحمه الله - خالف المذهب في هذه المسألة:
القول الثاني: أنه هو أحق به إلا إن طال لأن طول بقاء الإنسان في هذا المكان يؤدي إلى ما يكون أشبه شيء بالتملك والتملك لا يجوز في المرافق العامة.
فإذا طال بقائه في هذا المكان صار كالمتملك والتملك لا يجوز.
قلت لكم فيما سبق: أن المؤلف - رحمه الله - يخالف المذهب وأنه لمخالفته عدة احتمالات وأن الأقرب منها أن ما يذكره المؤلف - رحمه الله - أشبه ما يكون بالاختيار.