القول الثاني: أنّ الوقف على الحمل صحيح, فإذا ولد استحقه, لأنه لا مانع من هذا, ولأنّ المقصود من الوقف يتحقق في مثل الوقف على الحمل, ولأنه ليس في الأدلة الشرعية ما يمنع من هذا, ولأنّ الوقف ليس كالبيع من كل وجه، فإذاً الوقف على الحمل صحيح ولا حرج فيه.
قال المؤلف ـ رحمه الله ـ:
(لا قبوله)
يعني لا يشترط في الوقف أن يقبل الموقوف عليه, وهنا يأتي معنا المسألة السابقة, وهي أنّ الوقف ينقسم على قسمين, على معين وعلى جهة عامة، فإن كان الوقف على جهة عامة فلا يشترط القبول بلا إشكال، وإن كان الوقف على معين فإنه لا يشترط أيضاً القبول عند الحنابلة.
واستدلوا على هذا بأنّ الوقف لا يتعلق بالموقوف عليه فقط, بل يتعلق به وبمن يستحق الوقف من بعده كذريّته, وإذا كان الوقف لا يتعلق به وحده, فإنه لا يتوقف على رضاه ولا على قبوله.
القول الثاني: أنّ الوقف يشترط فيه إذا كان على معين أن يقبل, واستدلوا على هذا بأنّ الوقف نوع تبرع وتمليك في الحياة، فهو كالهبة والوصية, والهبة والوصية لابد فيها من القبول, والراجح مذهب الحنابلة وذلك لأنّ بين الوقف والهبة والوصية فرق ظاهر جداً وواضح, وهذا الفرق هو ما أشار إليه أصحاب القول الأول في دليلهم, وهو أنّ الوقف لا يتعلق بالموقوف عليه فقط, بينما الهبة والوصية تتعلق بالموقوف عليهم فقط, وهذا الفرق يمنع الإلحاق فمذهب الحنابلة أجود وأقوى إن شاء الله.
قال المؤلف ـ رحمه الله ـ:
(ولا إخراجه عن يده)
يعني ولا يشترط لصحة الوقف أن يخرجه الإنسان عن يده، بل يصح ويصبح لازماً لا يجوز الرجوع عنه ولو بقي في يد الموقف, واستدل الحنابلة على هذا بما تقدم من أنّ أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - بقي الوقف في يده إلى أن مات, ولم يمنع هذا من صحة ولزوم الوقف.
والقول الثاني: أنّ الوقف لا يصبح لازم إلا بإخراجه عن يده إقباضه الجهة الموقوف عليها, قياساً على الهبة ولاشك أنكم تعرفون الآن أنّ هذا القول الثاني ضعيف, لأنه تقدم معنا وجود الفرق بين الهبة وعقد الوقف.
فصل
قال المؤلف ـ رحمه الله ـ:
(ويجب العمل بشرط الواقف)
يجب أن يعمل الإنسان بشرط الواقف وجوباً, لأمرين: