من جهة أخرى: بين الصدقة والهدية فرق والدليل على وجود الفرق بينهما: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقبل الهدية ولا يقبل الصدقة، وكان يقبل الهدية ولو كان أصلها صدقة كما قال في بريرة: هو عليها صدقة ولنا هدية.
والفرق بين الصدقة والهدية:
ـ أن الصدقة هو ما أخرجه الإنسان لآخر محتاج تقرباً إلى الله.
ـ وأما الهدية فهي ما أخرجه الإنسان لآخر تقرباً إليه، فلا نحتاج أن نشترط التقرب إلى الله ولا أن يكون محتاجاً.
ولكن هذا التعريف للهدية لا يعني أن الهدية ليست مشروعة أو مستحبة بل هي مستحبة مع ذلك لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (تهادوا تحابوا).
ولأنها من جملة حسن الخلق: أي التهادي فهو مطلوب شرعاً ومستحب.
ولو كان مقصوده تألف أخيه والتقرب إليه فإن هذه النية لا تتعارض مع الإخلاص لأن تقرب الإنسان إلى أخيه هو أيضاً عبادة.
إذاً: عرفنا الفرق الآن بين هذه المصطلحات الأربع.
بقينا في أن العطية في الواقع من حيث اللغة والمدلول حتى الشرعي العام تعتبر شاملة لجميع الألفاظ الأربع إلا أن الفقهاء خصوها لاسيما الحنابلة بالعطية في مرض الموت، أو بالهبة في مرض الموت ((حتى لا نعرف العطية بالعطية.
فنقول: العطية هي الهبة في مرض الموت. فهي مخصوصة بهذا الحال.
ومناسبة ذكر هذه المصطلحات: الهدية والهبة والصدقة والعطية في كتاب الوقف لا في كتاب البيوع: هو أنه لا يوجد معاوضة فهي أشبه بالوقف منها بالمعاوصات المذكورة في كتاب البيوع.
فذكرها هنا أنسب من ذكرها في كتاب البيوع وإن كان فيها تمليك وإعطاء للمال إلا أنها مع ذلك لما خليت من معنى المعاوضة صارت تناسب كتاب الوقف.
قال المؤلف ـ رحمه الله ـ:
وهي: التبرع بتمليك ماله المعلوم الموجود في حياته غيره.
(وهي التبرع بتمليك) هذا التعريف مليء بالمحترزات.
يقول: (وهي التبرع) فيجب لكي تعتبر العطية هبة أو عطية أو صدقة أن تكون خالية من العوض هذا معنى قوله: (وهي التبرع).
فإن وجدت فبها المعاوضة خرجت عن هذا الباب.
وقوله (بتمليك ماله) المال المقصود هنا: هو المقصود في كتاب البيوع، إلا أنهم في باب الهبة أجازوا أن يهب الإنسان ما لا يجوز بيعه إذا كان فيه منفعة مباحة.