إذاً المقصود بالمال هنا هو نفس المقصود بالمال في كتاب البيوع إلا أنهم هنا أجازوا أن يهب الإنسان ما لا يجوز أن يباع مما فيه نفعاً مباحاً.
فلا يجوز أن نبيع الكلب المعلم لكن يجوز أن نهدي وأن نهب الكلب المعلم.
والسبب في التفريق: أنه لا يوجد معاوضة ولا بيع والمنع في الكلب المعلم إنما هو من البيع والمعاوضة لا من الهبة والإعطاء.
يقول: (المعلوم الموجود) أخرج به: المجهول المعدوم. فإن الإنسان لا يصلح أن يهب المجهول ولا يصلح أن يهب المعدوم.
وسيأتينا حكم هبة المجهول.
أما المعدوم فصحيح، ما الفائدة من هبة المعدوم؟ لا يوجد أي فائدة. ولا يوجد هبة في الحقيقة مادام أنه يهب معدوماً.
فلو قال الإنسان: أنا أهديك السيارات التي تصنع في عام ١٤٥٠هـ معدوم أو موجود؟
لا فائدة من هذه الهبة المعدومة.
أو أن يهبه شيئاً احترق. المحترق معدوم فإذاً لا يجوز أن يوهب.
قال المؤلف ـ رحمه الله ـ:
(في حياته) أخرج الوصية لأن الوصية تمليك لكن بعد الموت وليست في الحياة.
هذا التعريف الطويل اختاره المؤلف أما ابن قدامة فيقول: الهبة: تمليك في الحياة بغير عوض.
وفي الحقيقة تعريف الشيخ ابن قدامة ممتاز وسهل وبسيط وخالي من الشروط الإضافية التي تعتبر إلى التفصيل أقرب منها إلى التعريف.
فقوله: (تمليك في الحياة بغير عوض) جميل جداً وهذا تعريف الشيخ في المقنع، معناه أن الشيخ موسى عدل عن هذا التعريف واختار التعريف الذي ذكره عندنا هنا كأنه يرى أنه أوفى وأضبط في تحديد الهبة.
قال المؤلف ـ رحمه الله ـ:
وإن شرط فيها عوضاً معلوماً: فبيع.
يعني: فحكمها حكم البيع.
والسبب في ذلك:
- أنه تمليك بعوض وهذه هي حقيقة البيع.
علم من كلام المؤلف - رحمه الله - أنه يصحح الهبة التي شرط فيها العوض وهذا مذهب الجمهور.
واستدلوا على هذا:
- بأن العبرة بالمقاصد لا بالألفاظ فحقيقة هذا اللفظ أنه بيع وليس هبة وما دام نستطيع تصحيح عقود المكلفين فهو أولى من إبطالها.
هذا كله مذهب الجمهور وهذا دليلهم.
= القول الثاني: وهو مذهب الشافعي أن الهبة التي شرط فيها عوض باطلة.
- لأنه اشترط فيها ما ينافي مقصودها، فإنه من المعلوم أن الركن الأساسي في الهبة هو خلوها من العوض.