والقول الثاني: أنّ القبض يصح مطلقاً ولو بغير إذنه ولا علمه، مادام وهب, وهذا القول الثاني من وجهة نظري ضعيف جداً, لأنّ الإقباض في الهبة حق من حقوق الواهب, ففي القبض بغير إذنه نوع إفتيات عليه, كما أنّ تملك المال لابد أن يكون برضى نفس ومادام لم يعطه هو المال ينبغي أن ينتظر إلى يعطه المال أو يأذن في القبض.
قال المؤلف ـ رحمه الله ـ:
(إلاّ ما كان في يد متهب)
يعني إذا كانت العين الموهوبة في يد الموهوب ثم وهبها إياه المالك, فحينئذ لسنا بحاجة إلى القبض, وعللوا هذا بأنّ استدامة القبض تغني عن ابتدائه, فالعين الآن في يده, فلسنا بحاجة إلى قبض جديد, بل تصبح المسألة مسألة استدامة للقبض, والاستدامة لا تحتاج إلى إذن، وهذا صحيح بالنسبة لما إذا كانت العين في يد الموهوب.
قال المؤلف ـ رحمه الله ـ:
(ووارث الواهب يقوم مقامه)
يعني فالإذن بالقبض أو الرجوع عن الهبة, وأفادنا المؤلف بهذه العبارة أنّ الهبة لا تنفسخ بالموت, بل للوارث أن يأذن ويمضي الهبة وله أن يرجع ويقبض الهبة, وذلك لأنّ الهبة ,أو لأنّ كونه يهب هذا حق من حقوقه، فيبقى للورثة إن شاءوا أمضوا وإن شاءوا ردّوا.
قال المؤلف ـ رحمه الله ـ:
(ومن أبرأ غريمه من دينه بلفظ الإحلال ,أو الصدقة ,أو الهبة ... )
برئت ذمته ولو لم يقبل, هذا الإبراء يتعلق بالديون ولا يتعلق بالعين, فإذا أبرأه من الدين فإنّ الإبراء صحيح ولو لم يقبل المبرأ واستدّل الحنابلة على هذا بأنّ الإبراء مما في الذمة لا يعدوا أن يكون إسقاط, والإسقاط لا يحتاج إلى رضى المسقط عنه, كما في الشفعة وكما في القصاص, ففي الشفعة مثلاً لو أسقط المشفع حقه لا نحتاج إلى إذن المشتري, بل يسقط حقه أذن أو لم يأذن، وفي القصاص لو أسقط ولي الدم حقه في القصاص وأختار الدية لا نحتاج إلى رضى الجاني, إذن الإسقاطات لا تحتاج إلى إذن.
والقول الثاني: أنه في مثل هذه الصورة لابد من الإذن, لأنّ هذا الإسقاط في معنى الهبة, والهبة تحتاج إلى قبول, إذن لابد من القبول لأنّ هذا الإسقاط في معنى الهبة, والهبة تحتاج إلى قبول, كما أنّ الإسقاط من الدين فيه مِنّة, ويحتاج إلى قبول.