للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الدليل الأول: ما روي عن أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعثمان وعلي - رضي الله عنهم أجمعين - أنهم كانوا يرون أنّ الهبة لا تلزم إلاّ بالقبض, وهذا الأثر واستخدامه كلمة لا تلزم إلا بالقبض يرجح في المسألة السابقة مذهب الحنابلة, إذا كانت لا تلزم إلا بالقبض فاللزوم أمر زائد عن الملك, فكأنها تملك بالقول ولكن لا تلزم إلا بماذا؟ إلا بالقبض، فهذا الأثر من الأشياء التي تقوي مذهب الحنابلة, نرجع إلى مسألة اللزوم إذاً هذا هو الدليل الأول في مسألة اللزوم أنّ الهبة لا تلزم إلا بالقبض.

الدليل الثاني: أنّ أبا بكر الصديق - رضي الله عنه - أعطى عائشة جذاذ عشرين وسقاً من ماله بالغابة, فلما أشرف وقرب موته - رضي الله عنه - قال لها إني كنت نحلتك جذاذ عشرين وسقاً, ولو كنت حزتيه لكان لك, وأما الآن فهو مال الورثة, فدّل الحديث على أنها لماّ تقبضه لم يلزم في حق أبي بكر وصار من جملة مال الورثة.

والقول الثاني: أنّ الهبة تلزم بمجرد القول, بشرط أن تتميز، يعني أن تكون متميزة عن غيرها, وهذا قول الحنابلة واختيار الظاهرية، واستدلوا على هذا بقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود} [المائدة/١] فعقد الهبة من العقود التي تدخل في الآية.

والقول الثالث: أنّ الهبة تلزم مطلقاً، ولو لم تكن متميزة، لعموم قول النبي - صلى الله عليه وسلم - (العائد في هبته كالكلب يقيء ثم يعود في قيئه)، والراجح في مسألة اللزوم بلا إشكال مذهب الحنابلة, لصراحة الآثار عن أبي بكر وعمر وعثمان وعلي, يعني عن الخلفاء الأربعة ـ رضي الله عنهم - فالأدلة التي ذكروها عامة, وهذه الأدلة التي استدّل بها الحنابلة خاصة.

قال المؤلف ـ رحمه الله ـ:

(وتلزم بالقبض بإذن واهب)

معنى أنها تلزم يعني لا يجوز الرجوع فيها, ودخلت بشكل نهائي في ملك الموهوب, وأشترط الشيخ - رحمه الله - الماتن للقبض أن يكون القبض بإذن الواهب, واستدل الحنابلة على هذا بأنّ الإقباض ليس أمراً مستحقاً على الواهب, فلا يصح إلا بإذنه, وجه ذلك أنّ له أن يقبض وله أن يمتنع, فلما صار الإقباض ليس أمراً مستحقاً عليه, اشترطنا إذنه ورضاه.

<<  <  ج: ص:  >  >>