للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الدليل الثاني: أنّ الشارع الحكيم, ينهى عن كل ما فيه بغضاء وتشاحن بين المسلمين, فضلاً عن الأخوة وتفضيل بعضهم على بعض في الأعطيات من أكبر أسباب التشاحن والفساد كما مشهور ومنظور, ويدل على هذا الأصل العظيم, أنّ الشارع حرّم أن ينكح الرجل عمة المرأة عليها، أو خالة المرأة عليها, وأجمع الفقهاء أنّ العلة في المنع من أن يجمع بين المرأة وعمتها أو بين المرأة وخالتها أن لا يقع بينهما تنافر وتباغض وتشاحن, وهما قريبتان, فهذا الأصل دّل على المنع من التفضيل في الأعطيات التي يعطى الأولاد.

والدليل الثالث والأخير: أنه صح عن أبي بكر وعمر وعثمان وعلي - رضي الله عنهم - النهي عن التفضيل وإيجاب المساواة.

القول الثاني: وهو مذهب الجمهور من المتأخرين الأئمة الثلاثة - رحمهم الله وغفر لهم وجمعنا وإياهم في جناته - ذهبوا إلى أنّ التسوية بين الأولاد مستحبة, وأنّ التفضيل مكروه ولا يحرم, واستدلوا على هذا بأدلة: الدليل الأول: أنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال (أشهد على هذا غيري)، وفي هذا التصريح بصحة العقد, لأنه إذا طلب منه أن يشهد عليه غيره, فيه التصريح بصحة العقد.

والجواب عن هذا الاستدلال أنه كما قال ابن حزم عن استدلال قريب من هذا الاستدلال في مسألة العطية, أنّ هذا من عجائب الدنيا، وهذا صحيح, الاستدلال بهذا الحديث الذي يعتبر من أقوى الأدلة على التحريم, الاستدلال به على الجواز من عجائب الدنيا، وجه ذلك أنّ قول النبي - صلى الله عليه وسلم - (أشهد على هذا غيري) لا يؤخذ منه مطلقاً الجواز, والسبب في ذلك أنّ هذا الأسلوب من الأساليب العربية المعروفة التي لا تستخدم لبيان الجواز, كما جاء في الأثر أنهم قالوا (إذا لم تستحي فافعل ما تشاء) فهل هذا الأمر حقيقي أو يراد منه التوبيخ؟ وكما جاء في الأثر أو صح عن علي - رضي الله عنه - أنه قال للدنيا غُري غيري، فهل مقصود علي - رضي الله عنه - فعلاً أنه يريد أنّ الدنيا تغّر غيره, أو يريد الابتعاد عن الدنيا, فكذلك قول النبي - صلى الله عليه وسلم - للنعمان (أشهد على هذا غيري) ما هو إلاّ من التوبيخ, وبيان أنّ هذا العمل محرم, وهو في الحقيقة استدلال غاية في البعد.

<<  <  ج: ص:  >  >>