الدليل الثاني: للجمهور أنّ أبا بكر الصديق - رضي الله عنه - نحل عائشة - رضي الله عنها - عشرين وسقاً ولم يعطي غيرها بدليل أنه ردّ الهبة لما قرب من الوفاة, وهذا أقوى دليل لهم, لكن الجواب على هذا من أوجه:
الوجه الأول: أنه يحمل على أنّ باقي الورثة رضُوا وسمحوا بأن يعطي عائشة لكونها أم المؤمنين أو لأيّ سبب آخر.
الأمر الثاني: أنّ أبا بكر الصديق أعطاها لمعنى يوجب التفضيل, والإعطاء لمعنى يوجب التفضيل جائز, كأن يكون أشدّ فقراً, أو أشدّ حاجة، وأما بالنسبة لعائشة - رضي الله عنها - فلا نعرف ما هو المعنى الذي يوجب التفضيل، والذي يجعل الإنسان يحمل هذا الأثر على هذه المحامل, وإن كان فيها شيء من البعد, الذي يجعلنا نجزم بأنّ أحد هذه المحامل هو المراد أنه صح عن أبي بكر المنع من التفضيل، وإذا صح عن أبي بكر المنع من التفضيل, علمنا أنه لماّ فضلّ إنما فضل لسبب مبيح شرعاً.
الدليل الثاني: أنّ عمر بن الخطاب وأيضاً عبد الرحمن بن عوف, فضلوا بعض أبنائهم, والجواب على هذا, هو الجواب على أثر أبي بكر - رضي الله عنه - تماماً.
واستدل الجمهور بدليل آخر وهو أنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال (هل تحب أن يكونوا لك في البِرّ سواء) فقال - رضي الله عنه – نعم، فهذا إشارة إلى المعنى الذي من أجله منع من التفضيل وهو أنه لكي يكونوا في البِرّ سواء، إذاً لم يكونوا في البر سواء فله أن يفضل، وهذا أيضاً استدلال بالأقيسة البعيدة عن روح النص, فإنّ النص واضح جداً في المنع من ماذا؟ في المنع من التفريق وهو صريح جداً في تحريمه, والراجح إن شاء الله مذهب الحنابلة, ولو لم يكن من أسباب الترجيح إلا أنه مذهب عامة السلف, يعني من الصحابة والتابعين لكان كافياً في الترجيح, فضلا عن الحديث نص في المقصود, ولذلك ألّف عدد من الأئمة رسائل خاصة في نصرة قول السلف، منهم ابن القيم ومنهم الأمير الصنعاني - رحم الله الجميع - ألّفوا رسائل خاصة في نصرة القول الأول الدال على التحريم.