أما المقصود من العطية في الحياة فهي المواساة وصلة الرحم, وإذا كان المقصود صلة الرحم فالذكر كالأنثى في ذلك، وإلى هذا يشير قوله - صلى الله عليه وسلم - (أتحب أن يكونوا لك في البر سواء)، وكونهم في البر سواء يستوي فيه الأنثى والذكر، هذا الدليل الأخير وجيه, ولولا أثر عطاء لكان قول الجمهور وجيه, أنّ التعديل يكون بالتسوية, لكن مع وجود أثر عطاء ومع المعاني التي ذكروها من أنّ قسمة الله هي أعدل القسم يكون الراجح إن شاء الله مذهب الحنابلة, وهو أنّ التعديل يكون بقسمتها على حسب ما جاء في الميراث للذكر مثل حظ الأنثيين.
قال المؤلف ـ رحمه الله ـ:
(فإن فضّل بعضهم سوّى برجوع, أو زيادة)
فإن فضّل بعضهم, يعني فإن خالف الأمر الشرعي وفضّل بعضهم فإنه يسوي إما برجوع بأن يأخذ العطية, أو بزيادة أي بأن يزيد الناقص إلى أن يستووا, وقوله (سوّى) يعني وجوباً، والدليل على وجوب الرجوع ما جاء في الصحيح أنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال للنعمان (فأرجعه) أو (فأعده) وهذا نص صريح في وجوب الرجوع عن العطية أو الهبة التي فيها تفضيل.
قال المؤلف ـ رحمه الله ـ:
(فإن مات قبله ثبتت)
فإن مات الواهب قبل الرجوع والتسوية ثبتت العطية، ومعنى ثبوت العطية أنه لا يجوز لباقي الورثة أن يطالبوا المعطى, وليس لهم حق عنده, استدل الحنابلة على هذا بأنّ أبا بكر الصديق - رضي الله عنه - قال كنت نحلتك جذاذ عشرين وسقاً ولو كنت حزتيه لكان لك، فدّل اللفظ على أنّ عائشة لو كانت حازته لم يملك الورثة الرجوع.
والقول الثاني: أنه يجب الرجوع ولو بعد الموت, واستدلوا على هذا بأنّ هذه العطية, حكم النبي - صلى الله عليه وسلم - عليها بأنها جور، والجور هو الظلم, والظلم لا يقرّ مهما كان الأمر، وبأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بالرجوع في هذه العطية مطلقاً.